«سمكري... سمكري» كلمة لطالما كانت تداعب آذاننا عندما كنّا صغاراً في قريتي «بيت ريما» القريبة من مدينة رام الله. ولكن لم نتنبّه كيف اختقى ذلك الرجل الذي كان يجوب القرى ممتطياً حماره الرمادي منادياً «سمكري... سمكري». كانت تتجمع حوله بعض نساء القرية ممن تعطلت «بوابير الكاز» في بيوتهن، فـ «السمكري» أو «السنكري» كما يلفظها آخرون، هو من يصنع «بوابير الكاز» ويصلح أعطالها. وهذه آلات باتت عملة نادرة، أو تكاد تنقرض، إلا إذا اعتبرناها «انتيكا» أو تحفاً. وأثناء التجول في شوارع البلدة القديمة لمدينة نابلس، وبالتحديد في منطقة «الخان» الشهيرة والمهملة، يلفت الأنظار محل قديم تتدلى من سقفه «بوابير كاز» في أشكال مختلفة وألوان قديمة، تعيدنا إلى ذلك «السمكري» الذي رحل عن الدنيا، مخلفاً وراءه الكثير من البوابير، بعضها ملكه، وبعضها الآخر كان ينوي إصلاحه. في نابلس، يعمل المسن وحيد محرم هشهوش (أبو رامي) في هذا «الكار» منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، بعدما ورث المهنة عن والده. يقول لـ«الحياة»: «بدأت العمل في مهنتي منذ أن مرض والدي ولم يعد يقوى على العمل في هذا المحل. كان المردود المادي في تلك الفترة جيداً واستمر على هذه الحال حتى بداية التسعينات». ويضيف: «المحل على حاله منذ أن عمل فيه والدي فلم نجدد فيه شيئاً، ولكن مع التطور أصبح الناس يستخدمون «البويلرات» أو أجهزة التسخين الكهربائية، والالواح الزجاجية الشمسية، وبالتالي تراجع الدخل. ومع الوقت حكم التطور على «بابور الكاز» بالإعدام. ويوضح أن «مستخدمي «بابور الكاز» أو «السمكرية» هم من كبار السن الذين مات جزء كبير منهم، ومن بقي على قيد الحياة لا يستطيع العمل أصلاً... أحياناً يأتيني من يطلب شراء البابور إما من باب الزينة كونه لم يعد أكثر من تراث، أو أن بعض الفقراء يطلبونه من باب الاحتياط لفترة الشتاء أو انقطاع الكهرباء». والبابور المنتشر في فلسطين إما صناعة مصرية أو هندية أو سويدية وهي الأجود، ولا تزال بعض الصور الدعائية لـ «البوابير» معلقة على جدران متجر هشهوش الذي يعود بناؤه إلى أكثر من مئتي عام. رام اللهفلسطين