×
محافظة المنطقة الشرقية

افتتاح مشروع تطوير «شرق 6» في أبوظبي

صورة الخبر

ينهار جمعة القاسم عندما يلتقي ابنته رشا للمرة الأولى منذ عام ونصف العام، برفقة طفليها الصغيرين، وينفجر باكياً ويجثو أرضاً أمام مركز جبرين لإيواء الهاربين من شرقي حلب. ثم ينهض ليضمّ ابنته وهو يحدق بها ويمسك بيدها اليمنى، يقبّلها، ويساعدها في حمل ابنها عبد الرزاق البالغ من العمر ثمانية أشهر. ويقول القاسم (51 سنة) أمام المركز الواقع في قرية جبرين قرب حلب كنت أظنّ أنني لن أراها ثانية، بعد أن صارت المسافة بيننا طويلة جداً، كنتُ أحلم برؤية وجهها ولو للحظات قبل وفاتي، وها هو حلمي يتحقق. وفرت المرأة الشابة كما عشرات الآلاف غيرها خلال الأيام الماضية بعد تقدم الجيش السوري وسيطرته على مساحة واسعة من الأحياء الشرقية. ومن دون أن يخفي دموعه، يُصعد ابنته وولديها إلى حافلة تنقلهم إلى غرفة يقطنها مع زوجته في أحد معامل الحديد المهجورة في منطقة الشيخ نجار الصناعية شمال شرقي حلب، حيث تنتظرهم والدة رشا. وتتصل الوالدة بزوجها مرّات عدة للاطمئنان إلى رشا قبل وصول الحافلة إلى الشيخ نجار، وتطلب من السائق الإسراع بأقصى ما يمكن لاستعجالها لمعانقة ابنتها بعد غياب. تصل الابنة أخيراً إلى باب المعمل، وتندفع نحو أمها مريم شحادة التي تنتظرها عند الباب، تعانقها بقوة وتغرق المرأتان بالبكاء لدقائق من دون أن تنطق أي منهما بكلمة. وتزيح الأم النقاب الذي يغطي وجه ابنتها، وتتحسّس وجهها بأطراف أصابعها، وتقول باللهجة المحكية بردانة يوم (تشعرين بالبرد يا ابنتي؟). في الغرفة المتواضعة، لا تشبع مريم التي حملت حفيدها الصغير عبد الرزاق بين ذراعيها، من النظر إلى ابنتها الجالسة إلى جانبها قرب مدفأة على الحطب. وتقول لم أملك طوال الفترة الماضية أي وسيلة تواصل مع ابنتي سوى الهاتف. كنتُ أسمع صوتها، لكن الطريق بيننا مقطوع. ذابت عيوني من البكاء كي ألقاها، لا أنا أتمكن من الذهاب إليها، ولا هي تتمكن من العودة إلينا. وتضيف كانت تبكي وتشكو: لا طعام، لا خبز، ونحن عاجزون عن مساعدتها. لم تخلع رشا (17 عاماً) والتي غطت وجهها بنقاب أسود، معطفها المبلل. تطلب من والدتها حليباً لطفلها الآخر إليان الذي كان يصرخ باكياً، قبل أن يبدأ بشرب الحليب من زجاجة الرضاعة وهو ينظر إلى جدته تلقي الحطب في الموقدة المتوهجة. وتروي رشا أن زوجها قتل بصاروخ سقط على منزلهما في شرقي حلب، بينما كانت هي عند إحدى قريباتها. وتقول بقيت وحيدة مع طفليّ، فقررتُ الخروج والذهاب إلى بيت والدي منذ فترة طويلة. وتضيف حاولتُ الهروب لكنهم لم يسمحوا لي (في اشارة إلى مقاتلي المعارضة). يوم الخميس رأيتُ جميع جيراني يخرجون من منازلهم، وخرجتُ معهم الساعة الثالثة ليلاً. تلقي رشا رأسها على كتف أمها، وتعانقها مجدداً، ويتجدد البكاء في الغرفة المظلمة التي تدخلها أشعة الشمس بصعوبة. وتقول مازالت خالتي عالقة هناك، وكذلك الكثيرون. قصتنا ليست الوحيدة، هناك آلاف المدنيين ينتظرون الفرصة للقاء ذويهم وأحبّائهم. وفي كلام يختصر المأساة، يقول جمعة ابنتي التي كانت في حلب الشرقية رأيناها اليوم أخيراً، الحمد لله بعد سنة ونصف. ابنتي الثانية في الرقة لم نرها منذ ثلاث سنوات. ابنتي في تركيا لم نرها منذ سنتين. الحرب شردتنا وفرقتنا عن بعضنا. (أ.ف.ب)