×
محافظة المنطقة الشرقية

جدة تحتضن منتدى الإدارة والأعمال

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي في 25/2/2010 انتخب فيكتور يانوكوفيتش رئيساً لجمهورية أوكرانيا بطريقة ديموقراطية نزيهة. ولكن بمجرد أن تولى يانوكوفيتش الحكم استبد وطغى واستكبر، وكان أهم مؤيديه أصدقاؤه في موسكو، الذين غضوا النظر عن فساده واستبداده كما غضوا النظر عن فساد واستبداد بشار الأسد المتجذر. ثار الأوكرانيون ضد يانوكوفيتش واستطاعوا خلعه في 22/2/2014 بمساعدة برلمانهم الذي على خلاف البرلمان الصوري في دمشق، كان منتخباً بالوسائل الديموقراطية. والتطورات السياسية في أوكرانيا ليست موضوعنا إلا بقدر تأثيرها في أسعار النفط والقمح والشعير على وجه الخصوص. وبما أن أوكرانيا من أهم مصدري القمح والشعير، فإن ما يهدد أمنها يهدد كمية إنتاجها وقدرتها على التصدير. وليس من طبيعة الأسواق الآجلة الانتظار، وإنما التفاعل بسرعة مع ردود الفعل في برامج إلكترونية معدة سلفاً. ومن الأسواق الآجلة أسواق آجلة للقمح وأسواق آجلة للشعير. أية أسواق يتم من خلالها البيع والشراء آنياً ويتم التسليم في فترة من فترات المستقبل ربما تكون شهراً أو عاماً أو أشهراً عدة أو أعواماً عدة. والذي حدث فعلاً أن الأسواق الآجلة استشعرت الخطر الذي ربما يؤدي إلى تناقص الكميات التي يتم تصديرها من القمح والشعير، فصعدت الأسعار في أسواق القمح والشعير الآجلة، ما أثر في الأسعار الآنية. وهو الروتين المعتاد نفسه، فالأسواق تفاعلت بسرعة على رغم أنه لم تنقص كميات ما تنتجه أوكرانيا لا من القمح ولا من الشعير. ومن هنا تبرز أهمية «التوقعات» عما يرجح المتاجرون في الأسواق الآجلة حدوثه. ومن الواضح أنهم يرجحون حالياً (أي في يوم 4/3/2014) بأن ما سيتم تصديره من قمح وشعير سيتناقص بدرجات متفاوتة وفقاً لتطورات الأحداث. والشعير ربما لا يهم أحداً خارج الدول التي تستخدمه لإنتاج «البيرة» كما يهمنا نحن في الجزيرة العربية القاحلة بسبب دور الشعير المهم كأعلاف للماشية. ولحسن الحظ معظم أراضي الجزيرة العربية «مربعة» في هذا الوقت. بمعنى أن فيها من النباتات العشبية ما يجزي عن استخدام الشعير كأعلاف للإبل والأغنام والأبقار التي يربيها المواطنون على الأقل لبضعة أسابيع مقبلة. ومع أهمية القمح والشعير لنا فإن النفط أهم همومنا. وعلاقة أحداث أوكرانيا لها علاقة مباشرة ليس بممرات الغاز الروسي إلى أوروبا من خلال الأراضي الأوكرانية، وإنما أيضاً لما له علاقة بكل ما تنتجه روسيا من نفط وغاز. فروسيا ثاني أهم مصدر للطاقة، ولا يهم لمن يذهب نفط وغاز روسيا، حتى وإن كان جلّ ما تصدره يذهب إلى غرب أوروبا، لأن المهم هو مجموع ما ينتجه العالم أجمع ومجموع ما يطلبه العالم أجمع، وكما ذكرنا مراراً وتكراراً ما هو متوقع إنتاجه أو ما هو متوقع طلبه في المستقبل. والأسواق الآجلة تتفاعل حالاً وفقاً لما ترجح حدوثه. والخوف من نقص الإمدادات بحد ذاته يؤدي إلى زيادة المطلوب خشية أن ترتفع الأسعار في المستقبل بنسب أعلى فأعلى. وهو ما يحصل أيضاً إذا استوحى تجار الأسواق الآجلة أي تهديد لسلامة ممرات الطاقة سواء كانت نفطاً أم غازاً أم حتى كهرباء. وملخص القول إن أسعار النفط ارتفعت حتى تجاوز سعر برميل «برنت» 109 دولارات تسليم 14 نيسان (أبريل) في أسواق النفط الآجلة. ثم هبط إلى أقل من 108 دولارات، وفي يوم الجمعة (7/3/2014) عاد وارتفع واستقر بقلق عند 109 دولارات للبرميل الواحد من خام «برنت». وارتفاع أسعار النفط، في نهاية المطاف، وبعد أن يركد الرمي، مما يلحق بنا الأضرار في المستقبل. لماذا؟ إن ارتفاع أسعار أية سلعة دوماً يؤدي ليس إلى الرغبة في البحث عن بدائل فحسب، إذ إن الرغبة بحد ذاتها لا تقدم ولا تؤخر، وإنما يؤدي إلى إحلال بدائل لم يكن من المجدي اقتصادياً بالأمس إحلالها بدلاً من السلع التي ارتفعت أسعارها. ولولا ارتفاع أسعار النفط في الفترة بين عام 2003 و2006، لما أمكن تطوير تقنيات استخراج النفط الصخري لأن إنتاجه حتى لو استثنينا التكاليف البيئية المروعة بخاصة لمياه الشرب، مكلف جداً وتتعذر جدوى إنتاجه لو قل سعر برميل النفط الخام عما بين 70 و90 دولاراً. وبإيجاز شديد، نعم تؤثر بل وبقوة، التطورات السياسية والأمنية في كل ما يباع ويشترى لأنها تؤثر في كمية ما يتم إنتاجه وتؤثر في كمية ما يطلب، كما تؤثر أيضاً في أمن ممرات التجارة الدولية. وما حدث ولا يزال يحدث في أوكرانيا أثر في أسعار كثيرة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة كأسعار البدائل والمكملات. وكل ما يحدث ولم يسبق التأكد من حدوثه يؤثر في الثقة ويؤدي إلى التوجس من المستقبل وهذا يؤدي إلى تغيير الأسعار صعوداً أو هبوطاً على حسب الأحوال.     * أكاديمي سعودي