×
محافظة المنطقة الشرقية

أمير الشرقية يرعى «ملتقى المهنة 2014»

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي إذا أردنا تقصي أخبار الحكومة السورية الموقتة التي يرأسها أحمد طعمة بعد انقضاء مئة يوم من عمرها، لن نجد ثبتاً ليومياتها سوى في منصة إعلامية وحيدة، هي صفحة فايسبوك افتتحها شخص ما لصالح حكومة هيتو التي لم ترَ النور، ولم يسلم «باسورداتها» بعد للحكومة الجديدة، ومضمون الصفحة التفاعلية يكاد يقتصر على أخبار من مرتبة استقبل وودع وما دون، الأمر الذي كان محط تندر متابعيها وشتائمهم التي يردَّ عليها مجموعة يبدو أنهم موكلين أو أوكلوا أنفسهم بالدفاع عن الحكومة بشتائم مضادة كاتهام المنتقدين بأنهم شبيحة أو عناصر استخبارات. وفي العالم الواقعي لن يجد الباحث الموضوعي فرقاً بين حال السوريين قبل تشكيل الحكومة وبعده، وسيجد ملفاتها على حالها، ولن يجد خطة لمعالجتها حتى لو متأخراً، والأخطر أن ما من أحد يقدم تفسيراً لهذه العطالة والجمود. ولما كانت الحكومات تنسب إلى رئيسها، ويبحث في شخصيته ومعارفه لاستقراء مستقبلها، فضلنا البحث في شخصية الدكتور طعمة، من زاوية ارتباطها بهذا الأمر لمحاولة تفسيره، من دون أن ننزلق إلى الشخصي البحت. فـ «أبو صالح» كما يناديه ثوار الداخل، الذين شهدوا بنظافة كفّه حين كان مشرفاً على توزيع الإغاثة في المنطقة الشرقية قبل أن يلتحق بمعارضة الخارج، ما زال متأثراً، على ما يبدو، بتلك التجربة التي كانت إحدى روافعه إلى منصبه الحالي، ويمعن في التدقيق والتضييق على أي مبلغ يتم صرفه لمنع تسرب شائبة تشوه صورته، الأمر الذي أدى في خضم انشغالاته إلى عدم صرف أي مبلغ لمشروع أو احتياج طوال الأشهر الماضية، فمثلاً لا تزال المنحة القطرية البالغة خمسين مليون يورو حبيسة أحد البنوك على رغم الحاجة الماسة إليها في الداخل. ويبدو أنه لم يدرك بعد الفرق بين رجل الخير الذي كان، ورجل الدولة الذي صار إليه، وأن نظافة الذيل يمكن أن يتكفل بها محاسب قانوني، فنحن لم نسمع إن رئيس حكومة أهدر وقته في تدقيق الحسابات الكبيرة، بل يسعى من يتولى هذا المنصب لإدامة عمل حكومته بإمدادها بالخطط والموارد، وفي حالته المعتمدة على الدعم الخارجي، يفترض به أن ينتزع المساعدات بالجملة من الخارج ويضخها إلى الداخل. أما مرافقة كل قرش من المانح إلى المستفيد، فهي تطهريَّة مبالغ بها ومُعطلة، وتجعله مع مرور الوقت صالحاً، لكنه لا يصلح لشيء؛ كما يقول المثل الإيطالي. ومع أننا لا نرى في الحالة السورية متسعاً لمجرب، نستطيع أن نتفاءل بأن يتجاوز الرجل هذه الثغرة مع توالي التجارب وتراكم الخبرة، فالطبيب الذي عرَّف عن نفسه في سيرته الذاتية المنشورة على صفحة الحكومة بأنّه «ولد في أسرة سياسية فكرية من جهة الأب والأم» مشغول على ما يبدو بسياسته وأفكاره، على نحو يبعده كثيراً عن المشاكل والملفات الإجرائية التي تواجهه. بلا شك كان ثمَّة دور لصفة الطعمة كإسلامي معتدل في اختياره لمنصبه، لكن في هذه الحدود فقط، أي كواجهة مقبولة شعبياً للعمل الحكومي في مرحلة طغت عليها الشعارات الإسلامية، أما أن ينهمك في طرح عقيدة إشكالية، ويدخل في جدال فقهي حول ولاية المتغلب وغيرها، ويطلق تصريحات مربكة وغريبة كالقول بأنَّ الديموقراطية أقصر طريق إلى الجنَّة، فهو تغريد خارج السياق المنطقي لوظيفته، ولن ينجم عنها أي تقدم لا على صعيد المؤسسة ولا على صعيد الأيديولوجيا التي يروّج لها، فقط هي تضعه في صدام مع فرق الإسلاميين الذين يسيطرون على الأرض، ويذبح بعضهم بعضاً من أجل لحنٍ في صوت المؤذن، ناهيك عن أنها من خارج الإطار السياسي الإقليمي والدولي الذي جلبه إلى المنصب. أما عنايته بمدّ شبكة علاقات مع مختلف الفرقاء السوريين، والأطراف الإقليمية والدولية ذات الصلة، والتي تقودها رغبته بحياكة شبكة أمان من خلال إرضاء الجميع، فهي هدر للوقت، إذ أن البقاء على مسافة واحدة من جميع السياسيين غاية لا تدرك، ويحتاج من كانت لديه مهمة جليلة مثل التي يتقلدها، إما أن ينضوي في أحد أحزابهم، أو أن ينأى بنفسه عن بيئتهم، أما الوقوف وسط الميدان بطيبة قلب، فإنه سيجلب عليه سخط الجميع، وهو ما بدأت نذره بالظهور، فقد أبدت دول ذات تأثير حاسم على صعيد القضية السورية استياءها من تودّده للإخوان المسلمين، ويقال إنّها خيرته بين التحالف معها أو التحالف مع الإرهاب. ويواجه اليوم أزمة أخرى تتمثل في عقدة هيئة الأركان، التي تطالبه كافة الأطراف التي تعده صديقاً لها باتخاذ بموقف حازم منها، وهذا مكسر عصا حقيقي لاستمرارية عمل حكومته، وربما استمراريته في المنصب. بعيداً عن الأضواء، كان بوسع الطعمة أن يبني جداراً استنادياً للثورة، بقيادة حكومة التكنوقراط التي يرأسها بعيداً عن البيئة السياسية الفاسدة والمخترقة للمعارضة السورية، وأن يتنصل من السياسة بعجرها وبجرها، ويعمل على القضايا الخدمية والمعيشية الملحة للشعب السوري، ليجني في النهاية مكانة سياسية رفيعة وشرعية حقيقية مستمدة من الشعب مباشرة، لا من الكتل والشخصيات التي يتودد لها، والذين كان يمكنه أن يجعلهم خدماً لحكومته، باعتبارها من يمنح الشرعية ومن يحجبها كطرف وحيد يقدم شيئاً ملموساً للسوريين. أما مسألة عدم وجود حليف حزبي يسنده، فقد كان يمكنه أن يستعيض عنها بالتحالف مع من بقي من الطبقة السورية الوسطى، من حملة الشهادات والمثقفين والتكنوقراط والعسكريين المحترفين، الذين أقصتهم الفصائل المسلحة وهمشتهم التشكيلات السياسية، وتطلعوا للحكومة بأمل منقطع النظير. وكان عمله بتجرد سياسي على الملفات الإنسانية سيضعه في عين اهتمام القوى الدولية، التي لا تريد أن تقدم عوناً سياسياً أو عسكرياً جدياً للثورة، ولكنها يمكن أن تقدم الكثير في الملف الإنساني. كنت أتوقع شخصياً أن يتحول الطعمة إلى جنرال يقود حرباً ضد الموت والجوع والمرض والجهل والجراح التي يعاني منها الآلاف من أبناء شعبه، وكنت أشفق على فريقه الصغير من الأعباء والمهمات التي سيكلفهم بها في غرفة عملياته على مدار الليل والنهار، بيد أن الأشهر انقضت من دون أن يتمكن من استئجار مكتب يزاول فيه عمله. لم تصبح الحكومة الموقتة واقعاً بعد، وصفحة الفايسبوك التي تشهد على وجودها، يمكن لشخص ما أن يطويها في لحظة مزاح، وهي لن تمضي قدماً ما دامت لم تشقَّ متراً واحداً من الطرقات في الداخل السوري.     * كاتب سوري