كنا قد ألمحنا سابقاً إلى تأثر الأدب بالقطار ولا شك أن استقصاء ذلك التأثر وتتبعه يحتاج إلى استفاضة لا تتسع لها مساحة هذه الزاوية. واليوم في ذات السياق نتابع أهمية القطار في عالم النقل، فالقطار أرحب من سواه بسعة المركب وأحفل بفرص استطلاع المشاهد في التخوم النائية الجميلة التي يمر عليها المسافر. ولعل الذي نال فرصة ركوب القطار في البلدان السياحية يدرك ذلك جيداً. في سنة 2000 أردت السفر بالقطار إلى لندن فاشتريت تذكرة من محطة «كرو» الواقعة على مسافة 250 كيلومترا شمالاً. لاحظت أن وقت وصول القطار المدون في التذكرة هو الساعة الثانية ودقيقة واحدة ظهراً. وكانت هناك ساعة إلكترونية على أحد الجدران. وقفت منتظراً ومستبعداً أن يأتي القطار بدقة الموعد المكتوب خصوصاً الالتزام بتلك الدقيقة الزائدة، وذلك لأن القطار يمر بالعديد من المحطات ويحتاج الركاب فيه إلى برهات للنزول فكيف سيلتزم القطار بالوصول في الموعد المحدد..! وياللعجب! فالقطار وصل فعلاً في الموعد المحدد، وقد نظرت إلى ساعة الحائط عند وقوفه أمامي وكانت الساعة 2:01 تماماً. وهنا بدأت تتلامح لي حقيقة رائعة عن سبب اعتماد الناس هناك على القطارات في الذهاب إلى أعمالهم. فالقطار وسيلة دقيقة المواعيد رخيصة الثمن ولا يعاني من ازدحام حركة المرور. في بلادنا تضطر أي أسرة مهما كانت فقيرة إلى امتلاك سيارة وذلك لغياب وسائل النقل العام الملتزمة بالمواعيد والمراعية لخصوصية الأسرة السعودية. وتضطر الأسرة أيضاً إلى تسليم هذه السيارة إلى ابنها المراهق الذي لم ينضج عاطفياً ولم يستقر مستواه الانفعالي لحاجتها للتنقل إلى أماكن العمل والتسوق وأكاد أجزم أن ذلك هو شرارة ظاهرة التفحيط . أما الظاهرة السلبية الأخرى المنبثقة من غياب القطار فهي كثرة شاحنات البضائع على طرق المسافرين، التي تتلف الطرق بسرعة وأدّت ولا تزال تؤدي إلى إناخة قطار الحياة لعدد كبير من المواطنين.