أنا آخر من يدافع عن أخطاء المسؤولين، حتى ولو كانت غير مقصودة، لكنني أريد أن أنبه إلى مسؤولي الصف الثاني، الذين ينفذون توجيهات المسؤول الأول؛ هؤلاء يحفظون النظام عن ظهر قلب، ويعلمون ما هو مخالف وما غير مخالف، لكن معظمهم لا يهمه سوى أن ينفذ ما يُطلب منه، لكي يرتقي بضع درجات في سلم وظيفته، وهذا الارتقاء لن يتحقق إلا بإمضاء المسؤول الأول. هذه هي دائرة مخالفة النظام، تبدأ برغبة من مسؤول أول، وبتكليف لمسؤول ثان، وكل طرف يضع المسؤولية على عاتق الآخر، وفي نهاية المطاف، ستقع الفأس على رأس الأول، وسينجو المسؤول الثاني بجلده، وسوف لن يسمع عنه أحد، ولن يراه أحد، ولن يتداول أحد ما اقترفه في مقال أو عبر تغريدة. وربما تتذكرون بعض الشخصيات من الصف الإداري الثاني، والتي بقيت في بعض الوزارات لعقود وعقود من السنوات، في حين يعفى الوزراء تباعاً، والأخطاء لم تكن أخطاءهم، بل أخطاء الديناصورات المحنطين. على الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة»، وبعد بيانها التاريخي الذي أدان معظم الدوائر الحكومية بارتكاب مخالفات في مجال التعاقد بمرتبات عالية، أن تتتبع الخيط الذي يقود إلى المنفذ الحقيقي لمثل هذه المخالفات، وإدانته بنفس درجة إدانة المسؤول الذي في الواجهة، فكلاهما متورط بنفس الدرجة، ومن الخطأ أن يُعاقب الأول، وأن يرفل الثاني بالنعيم.