تتوالى برامج التنمية الاقتصادية في المملكة، كراية تتعاهدها وتتعهد بحفظها الأجيال. فبمناسبة تدشين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أخيرا مشاريع البنية الأساسية التنموية والتعدينية في مدينة رأس الخير الصناعية في المنطقة الشرقية، نتذكر بعظيم الفخر والاعتزاز تلك اللحظات التي أطلق فيها المؤسس الملك عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ مشاريع استكشاف النفط في المملكة، وحتى قيام الملك خالد بن عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ عام 1395هـ (1975) وضمن خطة التنمية الثانية بتدشين الهيئة الملكية للجبيل وينبع ضمن استراتيجية التنمية الاقتصادية في حينه، ومرورا بالملك عبد الله - رحمه الله -، بتدشين الجبيل وينبع (2)، ومع هذه الذكريات فإننا نستشعر كيف أن أكثر الناس إيمانا بهذه المشاريع لم يكن يتوقع كل هذه الإنجازات الضخمة التي تحققت اليوم على أرض الوطن، ليس على مستوى العمل الإنتاجي والاقتصادي بل والآثار الضخمة الاجتماعية والتعليمية، فنحن اليوم نقف على حجم استثمارات يبلغ تريليون ريال ومعدل نمو بلغ 20 في المائة ومساهمة في الناتج المحلي تبلغ 65 في المائة، إنها معجزة بكل ما في هذه الكلمة من معنى. نحن اليوم نقف على عتبة تحديات "رؤية المملكة 2030" والتحولات الاقتصادية اللازمة حتى عام 2020، التي ترتكز في معظمها على تقليص الاعتماد على النفط ومشتقاته كأساس للصناعة السعودية، ومع هذا التحول هناك مبادرات هائلة لاستغلال الموارد بأفضل وجهة ونقل الثروات من باطن الأرض إلى ظاهرها من أجل بناء اقتصاد مستدام يحمل الخير للأجيال كما حملها النفط إلينا حتى اليوم. ولأن الخطوات الجادة عنوان المرحلة التي يقودها الملك سلمان ـ رعاه الله ـ، فإن مشاريع مدينة رأس الخير تأتي لتضع هذه المدينة ومشاريعها كصرح صناعي كبير على خريطة المنظومة الإنتاجية المتكاملة لاقتصاد الوطن، وهي تأتي لتخرج بنا عن منظومة النفط ومشتقاته وصناعته، ودعم وتطوير قطاع التعدين وفق معطيات تنافسية جديدة ومتميزة، باستثمارات ضخمة تجاوزت 130 مليار ريال، وكرست لتأسيس البنية التحتيةِ من قطارات، وموانئ، ومحطات الكهرباء والمياه، وإمدادات الغاز، والكبريت، ومصانع الفوسفات والألمنيوم. وكما بين وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، أن هذا المشروع الضخم تجسيد حقيقي للسعي الحثيث والمدروس نحو تنويع مصادر الدخل والاقتصاد الوطني، وللاستفادة من جميع الموارد المتاحة في البلاد، مع الاستثمار الجاد والممنهج في الثروة البشرية الوطنية، بالتدريب والتأهيل وتوليد الوظائف. وإذا كنا نتحدث عن مرحلة جديدة للاقتصاد السعودي فإن مشروع مدينة رأس الخير يمثل واقعا ملموسا لما يسعى إليه خادم الحرمين الشريفين من تحقيق التنمية المتوازنة والشاملة في المملكة، فمدينة رأس الخير الصناعية تمثل نجاحا للتعاون والتكامل بين أجهزة حكومية عدة، من أهمها مشاركة وزارة النقل، والمؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، المؤسسة العامة للموانئ والشركة السعودية للخطوط الحديدية والهيئة العامة للاستثمار. فقد حققت مشاريع خطوط السكك الحديدية بنية أساسية لربط مناجم شركة معادن في شمال المملكة مع مصانع مدينة رأس الخير، فمشروع قطار الشمال، الذي بدأ منذ سنوات ويبلغ إجمالي طوله ثلاثة آلاف كيلومتر، باستثمارات بلغت 25 مليار ريال، مثال حي على مبدأ التنمية المتوازنة. تشغيل مدينة رأس الخير ومصانعها سيوجد موارد كبيرة للخطوط الحديدية التي ستقوم بدورها بعد ذلك في بناء منظومة الشبكة وتشغيل كثير من أبناء الوطن، وتشغيل القطاع الخاص الذي سيقوم بعد ذلك بدوره في استثمار منتجات مدينة رأس الخير في بناء منظومة صناعية تحويلية ضخمة. هذه هي التنمية المتوازنة في أحلى صورها، فتدشين مشروع الخير في رأس الخير عمل اقتصادي تنموي وتخطيط ضخم وتجربة نموذجية ننقلها إلى الأجيال ونفاخر بها شعوب الأرض.