×
محافظة مكة المكرمة

«كفى»: 32 طفلاً أدمنوا تعاطي المخدرات والتدخين خلال عام في الطائف

صورة الخبر

النسخة: الورقية - سعودي هناك حجج متنوعة يقدمها الديموقراطيون في العالم العربي في تبريرهم لأهمية وضرورة التحول الديموقراطي. إحدى هذه الحجج أن الديموقراطية شرط للتنمية الاقتصادية، وأنه لا يمكن تخيّل تنمية اقتصادية من دون ديموقراطية. غالباً ما يأتي الرد عليهم من بعض البلدان العربية ذات الثروات الهائلة كالآتي: إذا كانت الديموقراطية وسيلة للتنمية فإن التنمية متحققة هنا، وطالما أن الغاية متحققة فلا حاجة إلى الوسيلة. دائماً ما يجعل الفريقان من موقفهم من العلاقة بين التنمية الاقتصادية والديموقراطية موقفاً عقائدياً، وأن التشكيك في هذه العلاقة انحياز إلى الاستبداد أو تنكّر للمنجزات. ما سأقوم به الآن هو محاولة تخفيف الحدّة الآيديولوجية لهذا النقاش، وتأكيد أهمية وجود علاقات سببية بين ظاهرتين أو أكثر في العلوم عموماً - ولاسيما العلوم الاجتماعية - مسألة صعبة جداً. وسأقوم بذلك عبر استعراض كيفية مقاربة هذه المسألة في العلوم الاجتماعية في الآكاديميا الآنجلوسكسونية. هناك خمس إجابات يتم الدفاع عنها في هذه الأكاديميا حول مسألة العلاقة بين الديموقراطية والتنمية الاقتصادية. الأولى تقول إن التنمية الاقتصادية سبب ظهور الديموقراطية، فعليك - لتستطيع الوصول إلى الديموقراطية - أن تبدأ بالتنمية أولاً. هذا غالباً موقف نظرية التحديث التي كانت رائجة إبّان الحرب الباردة، وهي العقيدة المعلنة للسياسة الخارجية الأميركية في تلك الفترة التي كانت تبرر من خلالها دعم الحكومات المستبدة بحجة أنها فيما بعدُ ستتحول إلى ديموقراطيات. والفكرة هنا أن التنمية الاقتصادية ستزيد من تعقيد وتوسع المؤسسات الاجتماعية وتوفر حصانات لشرائح من المجتمع بعد حصولها على حصص خاصة من الثروات وظهور حركات عمالية ومؤسسات مجتمع مدني، وهو ما يدفعها إلى العمل على الإطاحة بالنظام المستبد ليحل مكانه نظام ديموقراطي. أما الإجابة الثانية فتؤكد موقفاً مغايراً ومتحدياً للأول، وهو أن التنمية الاقتصادية تجعل الديموقراطية تنهار وتفشل، إذ أكدت أن التنمية المتسارعة أو ظروفاً اقتصادية معينة تجعل من الأنظمة السلطوية حلاً أفضل من الديموقراطية للتفاعل معها والاستجابة لها. إلا أنه بعد عقود من الجدال بين الموقفين - ومنذ منتصف تسعينات القرن الماضي - ظهرت إجابة ثالثة تقول إن التنمية ليست سبباً في ظهور الديموقراطية، بل إن الديموقراطية يمكن أن تظهر تحت أي ظرف، إلا أن الدور الذي تلعبه التنمية هو «الحفاظ على استمرار» الديموقراطية وليس إنشاءها. إلا أن هذه الإجابة تم تحديها بعد ذلك بأعوام بأطروحة تؤكد أنه لا اقتران - بأي علاقة كانت - بين الديموقراطية والتنمية الاقتصادية، بل يمكن تفسير ترافقهما بإرجاعه إلى عوامل خارجية. وأخيراً كانت هناك دوماً الإجابة الخامسة التي تصر على أنه ليست التنمية ما يؤسس الديموقراطية، بل العكس: أي أن هذه الأخيرة هي التي تتسبب بالتنمية الاقتصادية. في بحثهما المعنون بـ«التنمية الاقتصادية والدمقرطة» المنشور في كتاب «الديموقراطية والدمقرطة»، قام كل من خوزيه شيبوب وجيمس فريلاند بعملية تقويم شاملة لهذه الأطروحات الخمس. ارتكزت معالجتهما على امتحان كل أطروحة من زاوية نظرية ومن زاوية تجريبية. فكانت الخلاصة التي خلصا إليها هو رفض أربع من الأطروحات الخمس، إذ وجدوا أن لكل واحدة منها تجارب تدعمها وأخرى تنقضها، ومن ثم لا يمكن القبول بأي من هذه الأطروحات على إطلاقها. الأطروحة الوحيدة التي قبلوها هي الثالثة التي تقول إن الدور الذي تلعبه التنمية في الديموقراطية هو الحفاظ عليها وليس إنشاءها. أي أن الديموقراطية يمكن أن تنشأ في كل أنواع الظروف، كأن تكون غير متوقعة لمحاولة نظام عسكري التقليل من الحجم المركزية في الحكومة، كما حدث في البرازيل، أو أن تكون نتيجة اعتبارات جيوسياسية، كما في حالة تايوان، أو أن يكون الجيش عاجزاً عن الحكم بعد هزيمته في حرب فيتنازل عن السلطة، كما حدث ذلك في الأرجنتين. فمهما تكن الظروف التي أدت إلى نشوء الديموقراطية إلا أن ما تصر عليه هذه الأطروحة هو أنها إذا نشأت في بلد فقير فإنها ستكون هشة ومهددة بالانفراط، أما إذا نشأت في بلد بمستوى اقتصادي معين فإنها ستستمر، وكلما ازدادت قوّة الاقتصاد ازداد رسوخ الديموقراطية واستمرارها. هذه النقاشات بين مختلف المدارس ليست نقاشات في أبراج عاجية معزولة عن العالم، بل تدعم وتطعم السياسات التي يتبناها صناع القرار والناشطون في كل مكان. وقد يشعر الناشط المستعد للتضحية ضد الظلم والطغيان بالخيبة عندما يعلم أن محاولته لتحويل مطلب الديموقراطية إلى مطلب شعبي عبر ربطه بالنمو الاقتصادي لا يجد أساساً يدعمه ويقوّيه، إلا أن عليه معرفة أن هذه دوماً مأساة الحجج العواقبية، أي تلك التي تبرر المطالبة بشيءٍ ما باعتبار أن عواقبه جيدة، إذ إن مثل هذه الحجج يمكن تفنيدها بسهولة بإعادة فحص العلاقة السببية المدعاة. إن عدم وجود دليل على ارتباط مناهضة الاستبداد بجلب النفع ربما يقلل من شعبوية المطلب لكنه لا يغير من حقيقة أن هناك استبداداً يحتاج إلى مناهضة.     * كاتب سعودي. sultaan.alamer@gmail.com sultaan_1@