"إنه ابني"، هكذا وَصَفَ اللاجئ السوري أحمد يوسف الشابَّ الكندي ديريك ولسن، وهو يودعه لمثواه الأخير، بعد تعرُّضه لأزمة قلبية. رغم أن يوسف وزوجته لا يجيدان الإنكليزية، ولا حتى الكتابة باللغة العربية، فإن علاقة أسرته الوافدة حديثاً لكندا مع طالب الماجستير ديريك اجتازت حدود اللغات. بدأت القصة بعد وصول الأسرة السورية إلى كندا، الأب لا يمكنه القراءة حتى بالعربية، فكيف سيعيش في المجتمع الكندي، وكيف سيدبر أموره وأمور أسرته، وكيف سيتكلم مع هذا المجتمع الغريب. ووجدت الأسرة السورية صعوبة في إيجاد شخص يتطوّع لمساعدتهم في أمورهم الحياتية بسبب اللغة. إلا أنّ طالب الماجستير ديريك ولسن تقدّم لمساعدتهم، حيث كان يرتاد منزلهم أسبوعياً عدة مرات لكي يتمكنوا من الاستقرار وترتيب حياتهم في مدينة كالغاري في مقاطعة البرتا في كندا. كورين لايل، زوجة ديريك تقول لـ"هافينغتون بوست عربي" إن زوجها كان يدرس الماجستير، تخصص التعليم، وأحب أن يساعد السوريين في تعلم اللغة الإنكليزية، وأيضاً حاول أن يقدم لهم أي مساعدة تمكنهم من الاستقرار في كندا، كما جمعنا لهم التبرعات لشراء الملابس والأشياء التي يحتاجونها في حياتهم اليومية. تقول “كنت أشعر بمدى تعلقه بهم، وأنهم قريبون إلى قلبه، لذا قررت أن أتبرَّع بمبالغ مراسم الوداع لخدمة العائلات السورية في كالغاري، وأيضاً لمجموعة دعم اللاجئين السوريين في المدينة، لكي تساعدهم في الحصول “على خدماتهم الأفضل للقادمين الجدد من السوريين. وبحسب زوجة الشاب الكندي فإن ذلك التصرف هو ما يرغب به ويتمنى تحقيقه لأجل السوريين "بالتأكيد كان ليكتبها في وصيته". تضيف كورين، لقد كان ديريك يسعى إلى إكمال تعليم الأطفال اللغة، وأن يتعودوا على المجتمع الكندي، وأن يحصل محمد على رخصة قيادة، لكنه لم يكمل معهم للأسف بسبب موته. وداع حزين تقول كورين كان لحضور أسرة أحمد يوسف كبير الأثر في نفوسنا، ولقد كانت مشاعرهم صادقة، وكلامهم لامس القلب، حتى وإن كانوا يتكلمون اللغة العربية، حيث قام سام نمورة بالترجمة، لكن أحسست ومعي الحاضرين كم أحبت تلك الأسرة زوجي، واعتبروه واحداً منهم. وأضافت: "لقد كانوا يبكون وهم يتكلمون عنه، لقد أحبهم وأحبوه، وأنا سأقوم أيضاً بما في وسعي لمساعدة اللاجئين السوريين في كالغاري". كيف تعرَّف عليهم؟ سام نمور، أحد مؤسسي فريق دعم اللاجئين السوريين في كالغاري يروي لـ"هافينغتون بوست عربي" كيف تعرَّف ديريك على الأسرة السورية "من خلال زميلة سورية في الجامعة اسمها دكتورة غادة الأطرش". الأطرش أخبرته عن حاجة القادمين الجدد إلى من يساعدهم بتعلم اللغة الإنكليزية، وهنا بدأ تعاونه مع الفريق، واختار أن يتطوع لمساعدة عائلة أحمد يوسف. وأوضح أن "مساعدة هذه العائلة كانت تحدياً كبيراً مع وجود أم وأب لا يجيدان حتى كتابة وقراءة اللغة العربية، فما بالك بالإنكليزية"!. لم تنقض أشهر كما يقول نمورة حتى أصبح ديريك واحداً من أفراد هذه الأسرة السورية، يبادلهم الحب كابن لهم، وبدأ يعلمهم اللغة، ويعلم ابنهم محمد (16 سنة) قيادة السيارة. ويقول سام، عندما أخبرت الأسرة السورية بدؤوا يجهشون بالبكاء وصدموا صدمة كبيرة كأنه فرد منهم. مبالغ مالية عوضاً عن الورد يقول نمورة: "زوجة ديريك بعد وفاته أخبرتني أنه كان يحب تلك العائلة، وكانوا قريبين إلى قلبه، لذا طلبت من أسرته وأصدقائه بدلاً من أن يرسلوا بطاقات التعزية والورد، أن يرسلوا لها المبالغ، لكي تتبرع بها لخدمة اللاجئين السوريين في كالغاري". أخ وأب "ما عمله معنا ديريك لا يقوم به لا الأخ ولا الأب، يقول أحمد يوسف رب الأسرة السورية لـ"هافينغتون بوست عربي" عندما مات ديريك شعرت أنني فقدت واحداً من أولادي، أو واحداً من أسرتي. وأضاف أنه لم يبخل على أولادي، وخاصة محمد في تعليمه للغة الإنكليزية، وكان يساعدنا في الاطلاع على أوراق الأطفال في المدارس وفي الجهات الرسمية. كيف كانوا يتخاطبون؟ يقول يوسف لأنني لا أعرف القراءة والكتابة، لذا كنا نستخدم المترجم الصوتي للكلام مع ديريك. وأضاف: "وفاته أثرت فينا كثيراً، أنا لا أنسى فضل هذا الرجل علي وعلى أسرتي، وأتمنى أن أقدّم له أي شيء، وأردَّ جميله علينا". يختم أحمد حديثه بالقول: "لم أكن أتوقع أن أجد شخصاً مثل ديريك يحبنا ويساعدنا، وكلما نظرنا إلى صورته نبكي أنا وزوجتي وأولادي، حقاً لقد فقدنا شخصاً قريباً وعزيزاً على قلوبنا. مساعدة اللاجئين يشار إلى أن المبلغ الذي تم جمعه بعد وفاة ديريك يقدر بحوالي سبعة آلاف دولار، وتم تقسيمه لشراء كروت مواد غذائية بقيمة 50 دولاراً. ويسلم لكل عائلة سورية في كالغاري من القادمين الجدد، والبقية لشراء شاحنة نقل المواد والأشخاص لمجموعة دعم اللاجئين السوريين.