يعول بوتين على صادرات النفط والشركات المملوكة للدولة والانفاق الدفاعي القياسي من أجل إخراج روسيا من الركود الاقتصادي. كان رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس، الذي تجهد بلاده لدرء انهيار مالي، ضيف شرف في منتدى الاستثمار السنوي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الفترة بين 18 و20 شهر يونيو الماضي مع مجموعة من كبار المسؤولين في الصين وميانمار. واجتذبت هذه المناسبة، التي عقدت في مسقط رأس بوتين في سانت بطرسبرغ، كبار التنفيذيين الأوروبيين في صناعة النفط – مثل بوب دادلي من شركة بي بي – وحفنة من قادة الأعمال الأميركيين، إضافة إلى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير. لكن مستوى الحضور كان باهتاً مقارنة مع المنتديات الماضية التي حضرها أقطاب مصرفيون مثل الرئيس التنفيذي لبنك غولدمان ساكس لويد بلانكفين. وأبرز هذا العدد القليل من كبار المشاركين في المنتدى عزلة بوتين وروسيا. كما أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تراجعت خلال الربعين الأخيرين على التوالي، ويتوقع أن يشهد الاقتصاد الروسي حالة من الركود خلال العامين الحالي والمقبل، هذا على افتراض أن أسعار النفط سوف تستمر عند 60 دولاراً للبرميل. وهبط الروبل 40 في المئة عن مستوياته العالية عام 2013. وتقضي خطة بوتين بالانتظار حتى تعافي النفط والاستمرار في توسيع قوة مشاريع الدولة التي تشكل الآن أكثر من 50 في المئة من الاقتصاد مرتفعة عن 30 في المئة عندما أصبح بوتين رئيساً لروسيا عام 1999. وعلى الرغم من ذلك، هناك حقل للنمو، يعتبره البعض من المحللين، نسخة بوتين من التحفيز، ألا وهو الإنفاق العسكري. وكان بوتين أعلن في منتدى حربي في 16 يونيو الماضي أن «من الواضح أن الصناعة العسكرية تمثل المصدر الأكثر أهمية للنمو الاقتصادي». وسبق لبوتين أن وقع في الثاني عشر من مايو الفائت مستندات لوضع ما أطلق عليه اسم برنامج « الكتائب الصناعية» الذي يعرض على المجندين خيار العمل في المشاريع الدفاعية، بدلاً من الخدمة العسكرية النظامية. وبحسب أرقام الميزانية الفدرالية، وبعد سنوات من المتاعب المالية المزمنة التي واجهت صناع الأسلحة، بدأت روسيا بالدفع المسبق للبضائع والخدمات التي تشتريها من صناعة الدفاع التي توظف 2.5 مليون روسي. وتستهلك قطاعات الدفاع والأمن القومي وقوى حفظ النظام 34 في المئة من الميزانية الروسية، ويمثل ذلك أكثر من ضعف حصتها في سنة 2010، ويطغى على نسبة الـ 18 في المئة التي أنفقتها الولايات المتحدة العام الماضي على الدفاع والأمن القومي، بحسب مركز الميزانية وأولويات السياسة الذي يتخذ من واشنطن مقراً له. ورغم ذلك، أنفق الأميركيون 615 مليار دولار في السنة الماضية، بينما أنفق الروس 84 مليار دولار. يقول رسلان بوخوف، وهو مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات، وعضو المجلس الاستشاري في وزارة الدفاع: « لدى الحكومة هدفان ملحان، هما تعزيز الأمن على كل مستويات المجتمع وتحسين الابتكار بغية إنهاء الركود الاقتصادي الكبير. ويكمن الحل بالنسبة إلى هاتين المشكلتين في تكثيف تطوير المركب العسكري – الصناعي «. ويستفيد من هذا الوضع متعاقدو مؤسسات الدفاع التي تديرها الدولة: يونايتد ايركرافت United Aircraft التي تصنع الطائرات المقاتلة سوخوي وميغ ويونايتد شيب بلدنغ United Shipbuilding التي تصنع الآن أسطولاً جديداً من المدمرات و أورالفاغونزافود Uralvagonzavod التي تصنع دبابة تي – 14 أرماتا الجديدة. وتكلف كل دبابة ما بين 4 و5 ملايين دولار، ولن يبدأ الإنتاج الواسع في وقت قريب. وأعرب وزير مالية بوتين السابق أليكسي كودرين عن معارضته لخطة إنفاق 23 تريليون روبل (426 مليار دولار) على منتجات الدفاع حتى عام 2020. ويقول كودرين إن البناء الدفاعي يقدم القليل فقط إزاء حل مشاكل روسيا الهيكلية والأزمة التي تواجهها. وجهة نظر بوتين أما بوتين، الذي يحذر من خطر الغرب، ويدعو إلى مزيد من الاكتفاء الذاتي في بلاده، فقد تعهد بإنفاق كامل المبلغ المخصص في الميزانية الحربية لهذه الغاية. وأنهى في الأساس المشتريات العسكرية الروسية من الخارج، وهكذا فإن الجيش سوف يشتري العتاد من الموردين الروس فقط. من جهة أخرى، يفضل الإصلاحيون في حكومة بوتين رؤيته وهو يخفض الإنفاق الدفاعي، وأن يركز بدلاً من ذلك على إصلاح المحاكم وتقليص الروتين الرسمي بالنسبة إلى الشركات الصغيرة، والقضاء على الفساد – بحسب مصادر حكومية. وفي خطابه في المنتدى المذكور تطرق بوتين إلى الحاجة إلى تخفيف الحواجز البيروقراطية التي تواجهها الشركات، لكنه لم يقدم أي خطوات راسخة للقيام بحل لتلك المشكلة. وبدلاً من ذلك، قال إن الأزمة الاقتصادية التي تنبأ بها العديد من المراقبين في نهاية السنة الماضية لم تحدث، وإن حكومته «عملت على استقرار الوضع « على الرغم من أن الاقتصاد شهد أول انكماش في ست سنوات. وتوقع بوتين في 18 يونيو الماضي خلال اجتماع مع عدد من المديرين التنفيذيين أن تظل أسعار الطاقة منخفضة لسنة أو سنتين، ولكن الشركات الروسية تكيفت مع هذه المشكلة. ويشعر بوتين بثقة في أن أسعار الطاقة سوف ترتفع ثانية. وكما قال في مؤتمره الصحافي السنوي في شهر ديسمبر الماضي: «حتى إذا ظلت أسعار الطاقة متدنية، أو واصلت الهبوط، سوف يأتي وقت تستأنف فيه تلك الأسعار ارتفاعها؛ عندما ينمو الاقتصاد العالمي؛ ويزداد الطلب على الطاقة. وأنا واثق تماماً من أن ذلك سوف يحدث». وقد طرحت أسعار النفط العالية والاقتصاد الذي يخضع لهيمنة الدولة متوسط نمو سنوي خلال أول ولايتين لبوتين عند 7 في المئة، وهو يعتقد أن ذلك سوف يعيد الازدهار إلى روسيا. نموذج بوتين ويقول أندري موفتشان، وهو مصرفي استثمارات روسي منذ زمن بعيد، ويعمل الآن محللاً لدى مركز كارنيغي في موسكو، وهو الفرع الروسي لمركز بحوث واشنطن، إن «نموذج بوتين هو تكافل فعال للنظام الاقطاعي والأسواق المفتوحة، ولكن وجهة نظره إزاء العالم تقلل من قيمة سرعة التطور العصري الحديث، ونحن نندفع نحو مرحلة سوف تكلف الطاقة فيها درجة أقل، والملكية الفكرية درجة أكثر «. الخلاصة: يعول بوتين على صادرات النفط والشركات المملوكة للدولة والإنفاق الدفاعي القياسي من أجل إخراج روسيا من الركود الاقتصادي.