×
محافظة المنطقة الشرقية

صامت أنابيب المياه

صورة الخبر

لخص الإعلان الكوميدي لقناة mbc2 قضية تقمص البعض للأدوار الإعلامية بكلمة "عيش القناة بس ما تعيشيش الدور". ولكن هل الأمر يقف عند هذا الحد من التصوير؟ لا، هو أبعد وأعمق من ذلك، بل ربما هناك تأثير على بعض العقول المغيبة من الإرهابيين فلها نصيب من هذا التقمص العنيف للعنف المتلفز. فعندما أظهرت القناة مركباً في نيل مصر وعلى متنه شاب وفتاة تبدو عليهما ملامح البساطة أو السذاجة في محاولة منهما لتقليد المشهد الرومانسي في فيلم "تايتانك"، عندما وقف الممثل دي كابريو ليساعد الممثلة كيت ونسلت للاستمتاع بنشوة الارتقاء والسيطرة في مقدمة الباخرة العملاقة. وبعدها يسقط متقمصو الدور في النيل ويختم المشهد بالعبارة السابقة. فهل حال معرفتنا بتأثير وسائل الإعلام ودراساتنا الأكاديمية لم تنجح بعد في تأسيس مراكز معمقة لدراسة هذا التأثير على عقول الشباب؟ الخطورة واضحة جدا في ظل تنامي ظاهرة الإعلام التفاعلي وسهولة التقمص الساذج لبعض الأدوار. فلو تذكرنا قليلاً تلك الرقصة التي عرفت برقصة البطريق أو تقليد خطوات الكوري في "قانقام ستايل" أو حتى تلك الرقصات المريبة لبعض الشيب من دولة إسلامية وهم يتراقصون بطريقة غريبة أمام رجل جاحظ العينين ويرتدي عمة ويقدمون له الولاء برقصة تم تقليدها من أجل الضحك. ولكن الأمر يتعدي الضحك إلى من يعيش أدوار الشر كما تظهر من القضايا التي تزخر بها سجلات الشرط في عالمنا العربي فقط. بل وفي هذه الفترة الحرجة صدمتنا عبارة "لم يسافر خارج المملكة من قبل" عند وصف إرهابيين أحدهما ارتكب جريمة نكراء في مسجد بالكويت، والآخر ارتكب جريمة نكراء بقتل خاله وتفجير نفسه عند حاجز أمني ليلة العيد. فمن أين أتت الصور وغرست الأفكار واقتنع السذج بأن يعيش الدور الإرهابي المتطرف؟ ففي الكويت يقول أحد الإرهابيين الذين ساعدوا ذلك الأحمق الجاهل: "بأن إيمانه لم يكتمل" مثل ذلك الغر الذي ارتدى الحزام الناسف. فأي إيمان اكتمل عند هؤلاء وهم يقرأون قول الحق عز وجل: "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيما"(النساء:93). لذا، لا يمكن اختزال التطرف والعنف والإرهاب في متغير واحد، ولكن تأثير وسائل الإعلام بلا جدال هو جزء من منظومة متغيرات متعددة أوصلت مجموعة من الشباب إلى هذا الحال من خواء العقل والإيمان والقيم. ولما غابت عن تطبيقات دراساتنا بعض تلك التجارب التي قام بها الأميركي جورج غربنر ومن تبعه فيما عرف باسم "متلازمة الخوف من العالم المتوحش". وهي أن مشاهدة العنف المكثف تجعل من الإنسان المشاهد الضعيف يعيش في رعب من هذا العالم المخيف من حوله. وبالتالي يسهل غرس دور لتغيير العالم من حوله. فالطفل الآن يشاهد ما لا يقل عن 8000 جريمة قتل متلفز بطريقة شرعية أو ترفيهية قبل تخرجه من المرحلة الابتدائية، حوالي 200،000 جريمة متلفزة عند يلوغه الثامنة عشرة. وأن القصص التليفزيونية وخاصة الإخبارية جميعها تصب في نهر من العنف المتلفز الذي يصور العالم لهذا الشاب بأنه عالم متوحش مخيف. وفي مقابل هذا العالم المتلفز المتوحش والموغل في استباحة الدماء من ضعفاء المسلمين يأتي من يزرع فكراً متطرفاً في عقل شاب فارغ من أطر عقلانية ومرجعية تسلبه حق التفكير الناضج وتجعل منه في عقله الساذج انه المخلص للأمة من هذه الانهزامية في عالم التوحش. إذاً هي دائرة موحشة لم نستطع الإمساك بخيط بداية أو كسر دورتها حتى نستطيع وقف هذا الفكر المتطرف الطارئ والمخيف فعلاً. نحن بحاجة إلى تربية إعلامية جادة لتنمية التفكير الإعلامي الناقد في عقول الشباب. وبهذه التربية والنقاش الجماعي الذي سبقنا الكثير من الدول التي عانت كثيراً وطورت أساليب تربوية إعلامية كجزء من المنظومة التربوية. فالولايات المتحدة مثلاً تظهر فيها استطلاعات الرأي أن الشعب الأميركي يرى أن العنف والجريمة أكثر انتشاراً من قبل، ولكن الواقع الفعلي يكذب هذه النظرة، فالإعلام يظهر الجريمة أكثر مما يظهر السلم الاجتماعي. ولذا أوجدوا الكثير من البرامج والمراكز التي تعنى بهذه الظاهرة الخطيرة. نحن الآن أمام كسر الحواجز البيروقراطية التي لم تشجع الأبحاث المشتركة بين أقسام الإعلام وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الجريمة وقبل هذا وذاك الدراسات الإسلامية. فنحن بحاجة إلى مراكز متخصصة تتجاوز مراكز دراسات الجريمة إلى درسة خرائط السلوكيات العدوانية والمتطرفة من تلك الزوايا المشتركة. فعالمنا العربي وما نشاهده من صناعة مجدولة باتت تمطرنا يومياً بصورة عالم عربي/إسلامي موغل في التوحش. وهنا تبدأ لنا وقفة ذاتية مع الاستهلاك المفرط لنشرات الأخبار المعززة للخوف من عالمنا العربي والإسلامي. فحسب رؤية جربنر أن الإنسان الذي يعيش متلازمة الخوف يسهل التلاعب به وتوجيهه لأنه شخصية معتمدة منساقة وليست مستقلة ناقدة. ومن هنا باتت مساعينا العلمية والعملية أكثر إلحاحاً وقبل أن يتكاثر حطب النار للجرائم المقبلة من الدواعش الجدد. ولعل الأجيال الحالية تعي حكمة من قبلهم ليعرفوا معنى ما قالت العرب من قبل "بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد".