النسخة: ستغدو الفتاوى أكثر من عادية من اليوم فصاعداً مع الانتشار الهائل لمواقع التواصل الاجتماعي. وقد تصبح خبزاً يومياً مع هذا الانفجار في مجال «المعلومة صفر» أو الفرضية التي يقصد بها علماء الاجتماع تلك المعلومة الناجزة السابحة بين المجرات الكونية والتي تطعم الإنسان المعاصر من موسوعة معارفها الشعبية من دون أن ترأف به. هذا التوسع الطوفاني في حياة الإنسان المرئي، عزز امكانات ظهور «كائنات» شديدة الغرابة يمكنها أن تلتصق بأي موقع اجتماعي وتصبح مؤثرة في المجال العمومي عن طريق اطلاق فتاوى تبدو غير منطقية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما يبدو تافهاً ولا يستحق التعليق، يحظى بكثير من الوقت والتعليق لدى ناشطين ومهتمين. وهنا قد تصبح المقارنة بين نوعين من الفتاوى في موضوع واحد مسألة جديرة بالاهتمام، إذ يتفهم المرء مثلاً هجوم داعية سلفي على الاعلامي باسم يوسف، لأن كل مايقدمه هذا «الجرّاح» الساخر يتناقض تماماً مع أفكار الداعية محمد الأباصيري الذي شن هجوماً حاداً على يوسف معتبراً أنه يمثل ببرنامجه اعتداء سافراً على حقوق الانسان. للوهلة الأولى يبدو حديث الأباصيري متسقاً تماماً مع أدوات الاجتهاد التي تتسرب إلى مواقع التواصل الاجتماعي بسهولة ووفرة عجيبتين، ولكن مع قراءة ثانية وثالثة يصبح بالامكان القول إن ما يتقدم به أمثال هذا الداعية يمثل اعتداء أكبر على شرعة حقوق الانسان حين يحاولون تقديم قراءات مراوغة لظواهر حياتية تعتبر أو تمثل نتاجاً منطقياً وطبيعياً في المجتمع الاتصالي الشامل الذي بتنا ننتمي إليه بقوة أكبر اذ تبدو معه محاولات التفلت منه مسألة لم تعد متوافرة أو هي من سابع المستحيلات. لسنا هنا في صدد محاولات قراءة النتائج الأولية التي تصدر عن هذا الاشعاع المعلوماتي العملاق، ولكن سيبدو لافتاً مثلا أن يتساوق هنا الداعية الأباصيري الذي لم نكن نعرف عنه شيئاً من قبل مع الناشط السياسي المصري أحمد سبايدر الذي نعرف عنه كل شيء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، بما يعني ذلك كونه أحد افرازات ثورة 25 يناير والذي يأخذ على عاتقه بين الفينة والأخرى اطلاق «فتاوى» ارتيابية من نوع آخر سرعان ما تجد صدى لدى متابعين كثر له. سبايدر الذي اتهم «أبلة فاهيتا» بالعمل على ارسال شيفرات عبر برنامجها للارهابيين للقيام بأعمال مهددة للأمن القومي المصري، ها هو اليوم يعود إلى الأسطوانة ذاتها ويؤكد عبر «تويتر» أن باسم يوسف يرسل شيفرات خاصة إلى بعض الجواسيس لتنفيذ خطة اغتيال المشير عبدالفتاح السيسي. بالطبع ثمة ما يدفع هنا للابتسام بأسى، اذ يبدو أننا سنقيم طويلاً بين «افرازات» لاحول لنا ولا قوة في مواجهتها. يكفي أن يطل سبايدر والأباصيري عبر موقع من مواقع التواصل الاجتماعي حتى ينعى العقل الذي كان متوافراً قبل ارتقاء «المعلومة صفر».