×
محافظة المنطقة الشرقية

حرم أمير القصيم ترعى حفل جائزة الشيخ إبراهيم العبودي

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي للشاعر الروماني القديم أوفيد نص شعري جاء فيه: «أخذت كومة من التراب وحملتها. وبحماقة تمنيت أن يكون عمري بعدد ذرات التراب. ونسيت أن أطلب أن تكون أيامي كلها شباباً». وببعض التعديل نقول: «ونسيت أن أطلب أن تكون أيامي كلها صحة». فالصحة هي الشباب الدائم، وهي بالتأكيد الحظ الكبير الذي نتهاون فيه بالامتنان لفضله علينا. صحيح أننا تعودنا تكرار أن الصحة أهم شيء في حياتنا، ولكننا لا نعني حقاً ما نقول إلا إن اعترانا عارض، وقتها نشعر بقيمة ما كنا فيه ونتحسر عليه، وهو ما ذكرني بنص الشاعر وأنا أتابع الرجل على كرسيه المتحرك، يحاول أن يشق طريقه فوق الرصيف، في مشهد لم ألحظه قبلاً في شوارعنا. ولولا الازدحام وانتظارنا دهراً اخضرار إشارة المرور، لما التقطت عدسة عيني من نافذة السيارة صورة الرجل وهو يكافح ليخطو بيديه دافعاً عجلات كرسيه بضع خطوات لا تصعب علينا نحن الأصحاء، فيساعده أحد المارة رافعاً كرسيه قليلاً عند نتوءات نهاية الرصيف غير المعبّد أصلاً لمثل تلك الحالات الخاصة. وقبل أن نتساءل عن خروج الرجل بمفرده لا يصاحبه من يعينه على ظروفه، علينا الإدراك أن العالم من حولنا تقدم وتطور في معاملة ذوي الاحتياجات الخاصة وفي تهيئة البيئة المناسبة لهم، بحيث لا يحتاجون إلى جهود مرافق شخصي. وهذا واجب المجتمع تجاه الإعاقات الجسدية، لكيلا يتفاقم إحساس أصحابها بالعجز، ولكن بالاستقلالية والقدرة على التحرك بحرية وكرامة. كم عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في السعودية وحدها بمدنها الرئيسة وضواحيها وقراها؟ رقم له ثقله بسبب حوادث المرور المجنونة، وزواج الأقارب، وموت الأعصاب ومعها الأطراف، نتيجة الإصابة بأمراض مثل السكر، أو حتى الإدمان على المخدرات وتدميرها لسلامة الأعضاء. ولسنا هنا بصدد تتبّع أسباب الإعاقات، وإنما البحث عن ثقافتنا المسموعة وتطبيقاتنا العملية في التعامل، باعتبارنا مسؤولين ومواطنين مع هؤلاء المبتلين. وإليك مواقف السيارات المخصصة للاحتياجات الخاصة، بوجود لوحة توضحها ورسمة مخططة على مساحتها لا تخطئها. إذ يأتي «الفهلوي» الجاهل -الذي لا يعاني سوى عقله- ويشغل الموقف، بركن سيارته، التي ينزل منها على قدميه ولا يتحرج من تصرفه! ولأننا لا نفترض في الناس الالتزام والانصياع للمطلوب منهم، فمن البديهي أن نسأل عن متابعة رجال المرور في الشوارع وأمن الأسواق، وما تلتقطه كاميرات المواقف لمثل هذه الأنانية غير الإنسانية، بالعقوبة التي تنص على مخالفة الأوامر. وحتى عند الانتقال من الفضاء الخارجي إلى الداخلي، فليست الحال بالأرقى ولا بالأشرح لصدر هذا المحتاج. فماذا عن جدية التجهيزات الملحقة بالأبنية والعمارات الحديثة؟ نكتشف -وللأسف الشديد والمحزن- أنه لم يُراعَ في معظمها التقيد بما يلزم لحياة هؤلاء. وماذا عن دورات المياه -أكرم الله القارئين- بالجزء الخاص بها لذوي الحاجة؟ ناهيك عن الدبابيس البارزة لمكفوفي البصر التي يجب أن تكون اليوم بجانب كل رقم لمصعد أو دور أو غرفة فندق ومشفى! ثم ماذا عن الحدائق العامة؟ قيل إن القائمين بها في الولايات الأميركية لم ينسوا أن يُلحقوا بها أرجوحات معدة لأطفال الاحتياجات الخاصة، حتى لا يخرج الطفل من كرسيه عندما يتأرجح عليها، وإنما هو لوح حديد مستطيل مثبت بقائمتين في جهتيه الأصغر، ومفتوح من ناحية ضلعيه الأطول، بحيث يستقر الكرسي المتحرك على اللوح نفسه، وبسلاسل حديد يتأرجح معها الطفل بكرسيه بمساعدة أحد الأبوين. وكما يقول الشاعر أوفيد: «الحمل الذي تحمله بطريقة جيدة يصبح خفيفاً». ومنذ متى كانت آخر مرة رأينا فيها طفلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة يلهو في حدائقنا وملاهينا؟ أو كفيفاً يتلمس بعصاه العلامات البارزة على الأرض؟ أو ينتظر دوره بمحاذاة إشارة مرور تصدر أصواتها المختلفة لكل لون، لتعلن السماح بقطع الشارع مع ضوئها الأخضر؟ بقي أن نرجو صادقين، ومع المطارات والفنادق المزمع إنشاؤها وتلك المدن المالية والمعرفية المتطورة، أن تكون الاحتياجات الخاصة في قائمة أولويات تصاميم هذه المشاريع، فلا نكون كمن يرى التسهيلات في الدول الأخرى فتعجبنا، ولا نترجمها واقعاً على أرضنا، أو مثلما قال أوفيد: «أرى الأفضل وأستحسنه، لكنني أفعل الأسوأ».