النسخة: الورقية - سعودي لا أعلم لماذا يؤمن بعض خطباء الجمعة بأن محتوى خطبهم لا يمكن أن يصل للمحتشدين في الصفوف إلا عبر خطة يتيمة قديمة وهي الصراخ، ولا أعلم أيضاً لماذا يعمد مثل هؤلاء للعب على وتر العاطفة والضرب به في وقت صار التفكير حقاً مشاعاً والأسئلة منتفضة ومتناثرة تفتش عن جواب يليق بها ويغلقها تماماً لا أن يضاعف من كمية التوتر والشك والاحتقان والتوتر في داخلها. قبل أمس قادني التزام اجتماعي لحضور خطبة الجمعة في واحد من أكبر المراكز الإدارية في منطقتي، ومن خلال أكبر جامع فيها، وجود بشري كثيف، وبيئة نامية، ووجوه تعلوها البراءة وتملأها الفطرة يؤمنون بأن كل ما يقوله خطيبهم صائب تماما، ويرون فيه المصلح الوحيد والرقم الصعب في خريطة الطريق. الإمام الثائر على المجتمع والإعلام والناس والمحيطين يرمي هنا بجملة وهناك بجملة، يقول كثيراً مما لا يملك ضبطه داخل أسرته، يهدد ويضرب الأمثلة والقصص ويقرأ الواقع بطريقة هي أقرب للرذيلة والعار والانحطاط والهزيمة، ولكم أن تتخيلوا فوق هذا الوجود المهتز والمهترئ أنه لا يوصل جمله وعباراته إلا بصياح لم أسمع مثله، وكنت لحظتها أسترق النظر لكهل طاعن في السن كان يبادلني الابتسامة التي تخفي بداخلها أن هذه حكاية القرية مع خطبتها وخطيبها كل جمعة. وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف توعدت ووعدت بأنها ستقف وتوقف كل من لا يلتزم بأهداف ومقاصد خطبة الجمعة، ولكنها قالت ذلك كي لا يسألها أحد يوم من الأيام لتقول إن ما باليد حيلة تجاه خطباء يرون أنفسهم أوصياء وأحراراً في بعثرة عواطف البشر وإخافتهم والعزف على معيشتهم وأوجاعهم وظروفهم وخنقهم من بوابات لا يملكون غيرها، لا أحتاج خطيب جمعة يخاصمني ويصيح في وجهي ويرى أنني خالد مخلد في النار لقضايا فقهية خلافية، ولا أحترم خطيب جمعة يستغل منبره من أجل أن يقول لمجتمع متواضع التعليم والأفكار والرغبات بأنهم على خطر عظيم وأمام حملة تغريب منظمة وبمواجهة الفساد الأخلاقي والحرمان من قطر السماء وموعودون بحرمان كبير لأنهم تركوا عجوزاً تبيع خبزاً على قارعة طريق أو كانت هناك واحدة من فتياتهم تعمل في مجال التمريض أو نزلت للسوق لتقضي لها شيئاً ينقصها. في الجهة الأولى والأساس إعلام لا يريد بنا خيراً وممتلئ بالعلمانية والنفاق ويؤسس لمجتمع منحل متفسخ، ومن ثم فالمجتمع مهدد بالانهيار والضياع وفقدان ملامحه النقية الطرية، وفي الجهة المقابلة شباب حالم منصت حائر وكهول صامدون عاصبو الرأس متأكدون من أنهم عاشوا حياةً - على مرارتها - بنبل وشرف ومن دون أن تتلوث خطاهم بميدان لقمة العيش، الخطيب هو بطل هذا المشهد وفي حضرته نصوص ترعب المصلين حتى من أقرب الأقربين، الخطيب يتبوأ المنبر كل جمعة بحماسة واندفاع لا مبرر له، ومثل ما قال الكهل الطاعن في السن والعاجز عن التصدي له بعد أن التقيته عقب الصلاة عمداً وعلى عجالة: «يا ولدي لا سَلِمنا من صياحه ولا رَّيَحَونَا منه». alialqassmi@hotmail.com