النسخة: الورقية - سعودي كشفت حلقة الزميل داود الشريان مع التكفيري وليد السناني عن حقيقة تتعلق بالمتعاطفين مع التكفيريين، كانت غائبة عن كثير منا، وهي أن التكفير أصبح مطية للعداء السياسي، وتلخيص هذه النظرية الخطرة هو الآتي: كل حكومة أو دولة أو جماعة أو طائفة لا بد من أن ثمة طائفة من الطوائف المنتسبة إلى الإسلام من يكفرها، ويصدر فتاوى بتكفيرها، وكل ما يحتاجه من يعادي هذه الجهة التي كفرها أحد المكفرين بحق أو بباطل، أحد أمرين: إما أن يعتمد الفتوى القائلة بتكفيرها جاهزة ويتبناها، وإما أن يتيح لها المجال ويمتدح قائلها ويمررها ولا يتعرض لها بالإنكار. ومع الأسف، فإن هذا الأمر تم التأسيس له (بشعور أو بغير شعور) في ثقافتنا التربوية. فعندما يكون خصمك السياسي أو عدوك المحارب شيعياً فإنك تكفره لكونه شيعياً، وتأتي بعد ذلك بأدلة الشرك العامة من كتب الاعتقاد، وعندما لا يكون خصمك شيعياً بل هو سني فعندئذ ستجد أنه بعثي وعندئذ تكفره بالبعثية، وعندما تجد أن عدوك لا شيعي ولا بعثي، فابحث لعلك تجده قومياً. وعندما لا يكون عدوك شيعياً ولا بعثياً ولا قومياً، فربما تجد أن إحدى ملكات الغرب أهدت إليه قلادة عليها صورة صليب وعلقتها على صدره، وعندما لا يكون لا شيعياً ولا بعثياً ولا قومياً ولا علق له أحد الصليب فلعل بلاده تحكم بالقانون الوضعي، وهذا هو الكفر البواح، وعندما لا يكون شيعياً ولا بعثياً ولا قومياً ولا عُلق له صليب ولا يحكم القوانين الوضعية، فتستطيع تكفيره إذا كانت له علاقات استراتيجية مع بعض الدول الكافرة، فتكفره من باب الموالاة. وإن لم يكن شيعياً ولا بعثياً ولا قومياً ولا عُلق له صليب ولا يحكم بالقوانين الوضعية ولا له علاقة مع دول الكافرة فتستطيع أن تكفره بانخراطه في الأمم المتحدة، وهلم جرا. والسبب في ضلالة هؤلاء القوم هو الهوى المحض والنفاق العلمي والعملي والاجتماعي، فهم يدعون الاجتهاد والنزاهة والبحث العلمي والتخصص، لكن عندما يكون أحدهم في بلاد قوية أمنياً فإنه لا يعلن تبنيه المنهج التكفيري، وإنما يمتدح رموزه وأقطابه مثل «المقدسي» المعاصر، والمتأثرين به كالسناني، وعندما تتعرض لهؤلاء الرموز بالنقد والتخطئة وبيان ضلالهم يتصدى لك بأنك لا تعاني مثل ما يعانون، ويقول لك: هل تعيش في الجبال؟ هل أنت تحت القصف؟ هل تعاني الاعتقال التعسفي؟ هل ترى ما هم عليه من الثبات والإيمان والعبادة؟ لكنه ما أن يخرج هذا المتعاطف من البلد المنضبط أمنياً إلى بلدان الحروب الأهلية المستعرة، وينضم إلى «كتائبه» حتى يتبنى التكفير مباشرة، أو يسكت عنه ويعذر القائلين به، وذلك قبل أن يجري مراجعة فقهية لموقفه السابق الذي لم يكن يعلن فيه موافقته لهؤلاء ولا عذره لهم. إذاً، فالمشكلة الجوهرية هي أن الهوى والميول العدائية هي الدافع للتكفير وللتعاطف مع التكفيريين الذين يسمون أنفسهم جهاديين الذين تقمصوا الجهاد الذي «ضاع بين حق مغصوب وباطل منصوب»، كما يقول بعض علمائنا، وأما فتاوى التكفير فهي جاهزة معلبة، ما على الواحد من هؤلاء سوى أن يقتنيها عند الحاجة. لكن المشكلة الكبرى ليست في طائفتي التكفيريين أنفسهم ولا المتعاطفين، وإنما في أنهم يختطفون الناشئة والعوام، ويغررون بهم ليضموهم إليهم، في سبيل أن يجندوهم جهاديين تابعين لهم في ما بعد، يقوضون بهم أمن البلدان، ويتحول الناس بذلك في أرض الله إما إلى كفار يجب قتالهم أو إلى مسلمين لا بأس من قتلهم «للحاجة»، لأن الكفار «متترسون» بهم، ولئن آل الأمر إلى ذلك فعلى الدنيا السلام. grnaty2@gmail.com @abdulwahed1978