أقول هذا مضطرا بسبب الإجتهادات غير الموفقة في تأويل ما كتبت من قبل عن أداء المؤسسة، رغم انني أشدت بالفكرة، وكنت أدرك – مثلي مثل أي صاحب عينين – مدى وعمق دلالاتها. ولكن دعنا مرة أخرى نشير – أو نومئ – إلى أهم هذه الدلالات. أنها بإختصار شديد تتمثل في الإستجابة العملية والشجاعة لمشكلة مزمنة ظلت تعاني منها المجتمعات العربية، لا الفكر العربي وحده. وهي عدم فاعلية مؤسسات المجتمع المدني، بل وغيابها التام، أو تغييبها، فالأمر سيان. لقد ظلت الدولة العربية الحديثة، رغم أخذها بالكثير من نظم الدول الغربية كما لو كانت طائرا يحلق بجناح واحد، وهو جناح الدولة الرسمي. وكان من المؤمل أن تقوم الانتلجنسيا وهي الطبقة المستنيرة في هذه المجتمعات أن تلعب دورها التنويري، ولكنها آثرت طريق السلامة بدلا من أن تناضل لإرساء قواعد مؤسسات المجتمع، ولكنها اختارت دورا آخر، وهو أن تعيش طفيلية على جناح الدولة الرسمي، تضع له أيدولوجيته، وتضفي عليها هالات زائفة، وتبرر للسلطة الرسمية ومسؤوليها الأخطاء، بل وتعمل فكرها لجعل هذه الأخطاء كما لو كانت إنجازات وإعجازات. ورغم أن البعض كانوا يستشعرون عمق هذا التناقض في بنية الدولة العربية الحديثة، ويستشعرون مدى فداحته، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا عمليا لحل هذه المشكلة. والآن خذ لديك فكرة مؤسسة الفكر العربي مثلا. هذه الفكرة أطلقتها جامعة الدول العربية، إلا أن الفكرة ماتت – أو وئدت ولا فرق – قبل أن تولد. وتستطيع بالطبع أن تخمن الأسباب وتنوعها، فلربما عجزت الجامعة عن وضع الفكرة موضع التنفيذ لقصور ذاتي فيها هي، ربما السبب يرجع إلى ترهلها، أو ربما الدول الأعضاء – أو قل الحكومات الأعضاء – لم تهضم الفكرة لسبب أو آخر، أو ربما هي ضد الفكرة من أساسها. على كل، وأيا كان السبب أو الأسباب، ماتت الفكرة قبل أن تولد. إلى أن قيض الله لها الأمير خالد فأعاد الحياة إلى عروقها ووضعها موضع التنفيذ.