النسخة: الورقية - دولي مآل الاعتداء الروسي على أوكرانيا هو رهن خطوات بوتين المقبلة. وحساباته وثيقة الصلة برد الناتو والولايات المتحدة على عدوانه، ولكنه كذلك سيحتسب رد الأوكرانيين أنفسهم على التصعيد الروسي. والرد الأوكراني الحكومي يتأثر بموقف الأوكرانيين إزاء تكرار بوتين اعتداءاته في القرم، وبرأيهم (الأوكرانيين) في الدعم الأميركي و «الأطلسي» القوي أو الفاتر. ولم يخف الرئيس الروسي أن روس القرم، وهم غالبية السكان، سيؤيدون اجتياحه المقنع. ولكن ما خفي عليه هو رد الوحدات العسكرية الأوكرانية المرابطة في القرم على خطواته. فلجأ إلى عصابات مقنعة مثل المافيا. والتلطي وراء هذه العصابات يمكنه أن يعود أدراجه إذا جوبه بمقاومة أوكرانية يعتد بها. ولكن نجاحه الأولي قد يحدوه على تكرار الفصل الأول من العدوان والتوجه إلى الأقاليم الأوكرانية الشرقية. وإذا لم يتعثر مسعاه هذا، بدأ مرحلة العدوان الثالثة: التوسل بالاضطرابات السياسية إلى التدخل في أوكرانيا واللجوء إلى القوة الروسية العسكرية من غير قناع لإطاحة حكومة كييف. ونتائج هذا الاجتياح تماثل نتائج ضم هتلر مقاطعة السوديت بعد مؤتمر ميونيخ في 1938 واحتلال براغ وتشيكوسلوفاكيا في مطلع 1939. ولكن مآل الأمور في أوكرانيا وثيق الصلة بمسارعة الغرب إلى إبلاغ ديكتاتور الكرملين أن الناتو لن يقف موقف المتفرج إزاء اندلاع الحرب في أوروبا. وإذا سحقت أوكرانيا بينما لا يحرك الغرب ساكناً، لم تعد الحريات والاستقرار الأمني في رومانيا وبولندا وجمهوريات البلطيق في منأى من الخطر. والموقف الغربي أو الأميركي الحازم لا يقتضي التلويح بالحرب، بل الاعتراف بمشروعية الحكومة الأوكرانية. فالتباس الموقف من هذه الحكومة قد يحمل بوتين على مواصلة مسرحيته المبتذلة. وعلى الغرب إبلاغ روسيا - وراء الأبواب المغلقة لتفادي إلحاق المهانة بها في هذه المرحلة - أنه سيدعم الجيش الأوكراني ويرفع قدراته العسكرية. والحاجة تمس إلى قطع شك بوتين باليقين: الاعتداء على أوكرانيا يؤدي إلى مواجهة طويلة ومكلفة، والأوكرانيون لن يتركوا لقمة سائغة له. وتأهب قوات الناتو واجب. ولا يستخف بالأهمية السياسية والعسكرية لالتحاق قوات أميركية جوية بأوروبا. وإذا أراد الغرب تفادي النزاع، فحرِيّ به توضيح نتائج مغامرة الكرملين العسكرية في قلب أوروبا، والتشديد على رغبته في تسوية سلمية مع روسيا ترمي إلى تعافي أوكرانيا الاقتصادي وإرساء استقرارها السياسي، وطمأنة موسكو إلى أنه لا يسعى إلى ضمها إلى الناتو أو استعداء روسيا. وبعد انتخابات أيار (مايو) المقبلة، يعود إلى الأوكرانيين تحديد وضع القرم من غير تهديد أو قوة أو طموحات توسعية شخصية. * مستشار الأمن القومي الأميركي بين 1977 و1981، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 4/3/2014، إعداد منال نحاس