×
محافظة المنطقة الشرقية

أرامكو تعرض 400 مليون لشراء فالنسيا الاسباني

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي ليس مستغرباً أن يثير التغيير الحاصل في أوكرانيا بعض التفاؤل في نفوس المتابعين بألم لما يجري في سورية. فثمة رهان بأن تفضي التطورات هناك إلى إضعاف سياسة روسية نشطة تدافع عن الوضع السوري القائم ضد أي مشروع للتغيير، بالتالي إلى تمكين الغرب من مواجهة صعود دور موسكو، باعتبار أوكرانيا وسورية متشابهتين في حسابات السيطرة والنفوذ العالميين، بصفتهما موقعين إستراتيجيين أكثر من منفعتهما الاقتصادية. فالأولى حاضنة لأنابيب الغاز المغذية لأوروبا ومدخل لحصار روسيا من الغرب، والثانية قريبة من منابع النفط ومن دولة إسرائيل، ولعبت تاريخياً دوراً حاسماً في استقرار المنطقة. ولكن، ثمة من يعتقد بأن الأحداث التي تشهدها الخاصرة الروسية هي من الخطورة بحيث تزيد تشدد قيادة الكرملين واندفاعاتها الهجومية، بالتالي من تمسكها بالحلقة السورية في مواجهة ما تعتبره سعي الغرب إلى إضعافها والنيل من محاولاتها استرجاع نفوذها، مرجحاً أن تشهد المرحلة المقبلة تصعيداً بين الطرفين، تكون الورقة السورية واحدة من بين أوراق اقتصادية وديبلوماسية وسياسية وربما عسكرية أيضاً، توظفها موسكو لتطويق تداعيات الحدث الأوكراني ولمنع كييف من متابعة مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، تبدأ أوكرانيّاً بالسيطرة عسكرياً على منطقة القرم الاستراتيجية، وتستمر سوريّاً بالإمعان في دعم النظام وتمكينه، بما في ذلك إهمال النقاط التوافقية لبيان «جنيف - 1» وتهميش ما قد يترتب على «جنيف - 2» من فرص أخرى لمعالجة الأزمة السورية. ولا يغير هذه الحقيقة التنازل المحدود الذي قدمته موسكو في مجلس الأمن بتمرير قرار أممي يسهِّل دخول المساعدات إلى المناطق المنكوبة، بل يؤكدها تصلبها المفاجئ في مفاوضات «جنيف - 2» رداً على تصاعد الحراك الشعبي الأوكراني المناهض لها. ويستند أصحاب هذا الرأي إلى ثلاث نقاط تدعم خيار التشدد: أولاها، رهان موسكو على استمرار انكفاء السياسة الأميركية، ما يجهض آمال الشعب الأوكراني بالتحرر، ربطاً بتقديرها أن الغرب سيتحسّب من دعم كييف إلى نهاية الشوط، وهو العارف بأنها تعاني أزمة اقتصادية خانقة وديوناً متراكمة تشكل عبئاً كبيراً عليه. النقطة الثانية، بنية قيادة الكرملين وعراقة نهجها في اللجوء إلى تصدير أزماتها الداخلية عبر صراعات النفوذ الإقليمي والعالمي، وثالثتها، الخوف من انتقال العدوى الأوكرانية إلى البيت الروسي وإلى بلدان حليفة لموسكو في الجوار ما يربكها ويهدد مشروع الاتحاد الأوراسي الذي تطمح إلى إرساء دعائمه، كعتبة لاسترداد هيبتها وسطوتها. وعود على بدء، يرجح كثيرون في المقابل، أن تهدئ الأزمة الأوكرانية الفوران الروسي، وتساعد موسكو في تحسس حقيقة حجمها ووزنها العالميين، بالتالي إبداء المرونة في التعاطي مع بؤر التوتر بما في ذلك الملف السوري. ويعتقد هؤلاء بأن قيادة الكرملين تعرف جيداً أن الشراكة والتعاون مع الغرب هما الطريق الأسلم لمستقبلها بدلاً من الانبهار بانتصارات هشة ومكلفة، مثلما تدرك خطورة التظاهر بأن روسيا باتت دولة عظمى كما كانت أثناء العهد السوفياتي لمجرد أن أميركا التي كانت تستفرد بمكانة الدولة العظمى أصابها بعض الوهن وتراجع دورها، وتدرك أيضاً أن استخدام نبرتها « السوفياتية « في التحدي، لا يمكنه، حتى إشعار آخر، أن يتجاوز حدوداً ترسمها موضوعياً توازنات القوى القائمة على الأرض. صحيح أن الملف السوري وفر لقادة الكرملين فرصة الإيحاء بأن سياستهم تمكنت من إرجاع روسيا إلى موقعها كقوة عظمى، وأجبرت العالم كله على التعامل معها على هذا الأساس، لكن الصحيح أيضاً أن روسيا اليوم ليست مؤهلة اقتصادياً وسياسياً للعب دورها القديم والعودة لاحتلال موقعها كقطب عالمي منافس، ولنقل غير مستعدة لدفع فاتورة جديدة لسباق التـــسلح والتنازع على النفوذ بعد أن جربت هذا الخيار طويلاً ولم يــفضِ إلى نتيجة، سوى مفاقمة الأزمات والمعاناة. والقصد أن روسيا اليوم ليست روسيا السبعينات والثمانينات، وما يجري من مناوشات بينها وبين الغرب أشبه بلعبة عض أصابع لن تتعدى حقل «التنازع الآمن» على بعض حصص السيطرة والنفوذ، والمرجح أن يأخذ هذا التنازع منحى أقل تشدداً ولنقل أكثر مرونةً، بعد التصدع الخطير في مكانتها ووزنها جراء خسارة الموقع الأوكراني. ويخلص أصحاب هذا الرأي إلى أن الهاجس الرئيس لدى قيادة الكرملين هو ضمان استقرار مصالحها عبر سياسة براغماتية تتحسب من دفع تحدي المواجهة مع الغرب إلى حده الأقصى، بخاصة في الشأن السوري الذي استنزفها سياسياً ومعنوياً، بل أنها على العكس ستعزز خيارها المرن بالانتقال من التفرد في تقرير مصير الصراع الدموي هناك إلى تفضيل المشاركة الأميركية والتعاون جدياً معها هذه المرة لوضع مخرج يضمن لروسيا مصالحها، بدل أن يفضي تفردها إلى خسارة كل شيء والخروج من المنطقة وهي تجر أذيال الخيبة وازدراء شعبياً واسعاً. فموسكو التي عقدت العزم على دعم النظام السوري بكل الوسائل وراهنت على قدرة الآلة القمعية على الحسم ومنحتها المهل والفرص، تشعر، اليوم، والنار تستعر عند عتبة دارها، بأن تورطها بالصراع السوري سيطول وتزداد تكلفته مع ما يشاع عن وصول دعم عسكري للمعارضة المسلحة. وبين احتمالَي المرونة والتشدد في التعاطي الروسي مع الملف السوري، يبدو النظام في دمشق أكثر تحرراً من ضغوط موسكو، وأكثر قدرة على التوغل في العنف والمجاهرة برفضه للحل السياسي. فقيادة الكرملين لن تكون بعد الحدث الأوكراني بالقدرة ذاتها على فرض موقفها على النظام، ويزيد الأمر تعقيداً، إدراك الأخير حاجة موسكو لورقته كي تحسّن موقعها التفاوضي مع الغرب، ثم قوة خيار استقوائه بموقف طهران في حال عارضت معالجة سياسية لا تلبي طموحها ولا تساعدها في تخفيف الحصار الاقتصادي وحدّة أزمتها المتفاقمة مع الغرب، وفي انتزاع اعتراف عالمي وأميركي بدور ونفوذ إقليميين طالما سعت إليهما.