النسخة: الورقية - سعودي لم يكن مستغرباً على الإطلاق استعمال الفنانة أحلام لكلمة «قرود» في هجومها عبر «تويتر» على طاقم برنامج «واي فاي» بعد التقليد المُتقن من الفنان خالد سامي للشيخ محمد العريفي، لكن الغريب أن تنبري أحلام للدفاع عن العريفي وكأنها واحدة من «المُطَوعات». أمّا لماذا أصف موقفها بالغرابة؟ فذلك لأن أحلام تعي تمام الوعي أن الغناء والسفور والتبرج ومخالطة الرجال من العظائم والكبائر التي لا أخذ فيها ولا رد، سواء عند العريفي أم غيره من الدعاة والمشايخ. ولو سُئل الشيخ العريفي عن مآل أهل المغنى بمن فيهم أحلام لحدّثنا بأنهم سيحشرون يوم القيامة من قبورهم عمي وبكم وخرس، وفي الآخرة سُيصب في آذانهم الآنك، أي الرصاص المذاب. إذاً، لماذا تصدت «الشيخة» أحلام للدفاع عن العريفي؟ الجواب، بلا مواربة ولا مخاتلة، لأنه يملك شعبية جارفة ونجومية طاغية، وأحلام تبحث عن تلميع صورتها عند جماهير الشيخ المليونية، بخاصة أن فيهم من يستمع لمعازف الشيطان وضرب الطِيران. وبصراحة، فإن موقف أحلام المتودد من العريفي يذكرني بموقفها المتملق من الفنان محمد عبده، وكلا الرجلين يتربعان في قلوب الملايين من أهل الوعظ وأهل الفن، ولو لم يكن لهما كل هذا الصيت لما رأيناها تلهث وراءهما. وقبل أسابيع قليلة، وفي غمرة الحديث عن سعي المرأة السعودية إلى الحصول على حقها القانوني والإنساني في قيادتها السيارة، «أفتت» الشيخة أحلام، نفعنا الله بعلمها وجزاها الله عنا خير الجزاء، بعدم جواز قيادة أختها السعودية لسيارتها في أرض الحرمين الشريفين مخافة وقوع كوارث! والحقيقة، أني لا أفهم نوع العلاقة بين قيادة السيارة وأرض الحرمين الشريفين والكوارث، لكن يخيل لي أن «أم فهد» كانت على اطلاع كامل بمسألة «الخصوصية» السعودية التي جعلت منا شعباً متبايناً عن بقية شعوب الأرض! وإحدى أبعاد الخصوصية السعودية العجيبة أن جلوس المرأة خلف مقود السيارة سيلحق أشد الأضرار بمبايضها، وهي ما دعته «الشيخة» حياءً منها بالكوارث! وهكذا وللمرة الثانية، نجد أحلام «البراغماتية» تنحاز دوماً لأكثر الطائفتين جماهيرية. ولو أن غالبية السعوديين مع قيادة المرأة، لوجدناها تنافح بحماسة عن حق شقيقتها السعودية في قيادة السيارة. إن أكثر ما يدعو للضحك أن أتباع التيار الديني لم ولن يرضوا عن أحلام مهما قالت ومهما فعلت، حتى ولو أنها كتبت على «تويتر» كلمات تطالب فيها، مثلاً لا حصراً، بمنع الاختلاط في معرض الكتاب، ومنع النساء من البيع في الأسواق. والخوف كل الخوف أن تخلع أحلام في الغد ثوب الغناء لتلبس ثوب الدعوة والدين، على غرار ما يفعله بعض «المفحطين» التائبين، وحينها لن نسمع منها سوى كوارث على شاكلة عدم تجويزها قيادة المرأة في بلاد الحرمين! أدرك أن كلامي عن أحلام سيغضب مُحبيها، ومنهم أمي وزوجتي، لكن كما أن لمطربتهم حرية الكلام عن ما يخصها وما لا يخصها، فأنا كذلك لي حريتي. إجمالاً، أكثرنا يشبه صاحبتنا في التستر بالدين والانتفاع به لتحقيق مآرب شخصية ومطامع دنيوية. فهناك منا من يتخفى وراء الدين، إيثاراً للعافية وطلباً للسلامة، حتى لا يُتهم في دينه أو يناله النبذ والإقصاء، كأن يتظاهر أحدهم بلعن الخمرة وشاربها، لكنه إذا خلا بنفسه شربها وسَكر. وهناك، وهؤلاء أسوأ ممن يجعل الدين مطية له لكسب المال والمنصب والشهرة والحظوة، وهؤلاء تعرفهم بشدة حبهم للظهور والأضواء وبغناهم الفاحش وتضارب أقوالهم مع أفعالهم، لكن أكثر الناس منا لا يبصرون. alsaeed@alhayat.com