النسخة: الورقية - سعودي < قبل الرحيل، نبحث في طيات اللغات باحثين عن أساليب التعبير العذب، ولننتقي من دفء الكلمات ما نحاول من خلاله الإفصاح عن عمق أحاسيسنا، ومدى ألمنا بشعور الفقد لفراق المكان الذي أحببناه، وألفنا من عرفناهم فيه، فلم يصعب عليّ كتابة مثل هذه المقالة على مدى ثلاثة أعوام ماضية، ومنذ بداية 2011 حتى هذا اليوم وصحيفة «الحياة» تحتضن مقالاتي ونبض قلمي ومشاركاتي في هموم المجتمع، والتي حظيت بعمود أسبوعي يتباهى بين قامات الأقلام وهامات الفكر والأدب الرفيعين. قد أكون من خلال هذا المنبر أعطيت القليل، ولكن عطاء «الحياة» كان لي أكبر، فتعلمت الكثير. ومن هنا بدأت، وكانت نقطة الانطلاق الحقيقية لي في الكتابة، ومن هنا عرفني الناس وقرؤوني، وتفاعلوا مع آرائي، وهي كذلك تدور الأيام، فيما نحن نلاحق نجاحاتنا وأمنياتنا ونلتقطها من فوق حواف الطرقات، إلى أن جاءت هذه اللحظة التي يعز فيها عليّ فراقكم، والتي أودع فيها زملائي وزميلاتي المبدعين والمتألقين دائماً بجمال ما يقدمون. طالما بقيت «الحياة» كالناقوس الذي يقرع في حواسنا، متيقظة لكل جديد، جذبت المهتم بالتطلع لأخبارها اليومية، وذلك بإعلامها الشفاف والموضوعي، غير أنها شرعت أبوابها لتملأ مساحات فارهة من العطاء، فضمت الكثير من الكتاب النابهين، وتبنت في أقلامهم حرية الكلمة وموضوعية النقد، وعمق التحليل لكل ما نعاصره من القضايا، وما تعانيه المجتمعات، وما يتطلع إليه الناس دائماً، وهو ما يستهوي شريحة كبيرة من القراء، ما يجعلها شغف المتابع والمهتم، وستكون زاخرة بعطاء كل من يعمل بها وينشر من خلالها. إضافة إلى جمال الروح الأسرية التي تركت في نفسي انطباعاً طيباً، فالتمست ما يتحلى به فريق العمل من جمال الأخلاقيات المهنية، فهم في غاية الرقي وطيب التعامل على رغم تقصيري أحياناً، ومن هنا أقدم الشكر وعظيم الامتنان لرئيس التحرير الأستاذ والزميل جميل الذيابي، وبقية الزملاء، وإلى من عرفتهم ومن لم أعرفهم في الطاقم بأكمله، مني أجمل التحايا وأطيب الأمنيات وكل التقدير، فكان شكركم واجباً مع قدر كبير من الوفاء لكل القراء الذين اهتموا بقراءتي ومتابعتي، وجميع الجهات التي تفاعلت مع كتاباتي، ومهما كتبت فلن يمكنني إيجاز ما أشعر به خلال هذه اللحظة في رسالة رحيل تمضي على جزء صغير من الورقة، ولن أقول وداعاً، فأنتم تعتلون عرشاً مكيناً في سماء الذاكرة، ولن أنساكم، ولن أنسى مكاني الأول، ودام هذا المنبر ناجزاً حُراً وشامخاً معطاءً بكل ما يمنح الكلمة من الصدقية والنقاء. Maha3alshehri@gmail.com @alshehri_maha