يعد تصحيح سوق العمل الذي كلف الكثير من الجهد والعناء والألم انهياراً لإمبراطورية التستر التي تم بناؤها على مدى سنوات طويلة.. بدأت منذ اعتقد البعض أن حصوله على أعداد كبيرة من تأشيرات الاستقدام دون أن يكون لديه عمل وجاهة ومصدر دخل لا غبار عليه.. وبدأت تلك العمالة السائبة تبحث عن الدخل بأي طريقة فلجأت إلى التستر خلف أناس باعوا أسماءهم بثمن بخس وظهرت على لوحات محال الحلاقة والسباكة والمطاعم وغيرها أسماء رجال وسيدات أيضاً لا يعلمون ماذا يجري في بعض تلك المحال من موبقات لا تخطر لهم على بال! وجاءت بعد ذلك الطامة الكبرى، حيث تدفقت عبر الحدود جموع من مجهولي الهوية الذين وجدوا مَن يتستر عليهم بدءاً من الناقل لهم من الحدود إلى المدن الكبرى مع علمه أن مَن ينقلهم قنابل موقوتة قابلة للانفجار ضد وطنه ومواطنيه، كما حدث في حي منفوحة أخيراً.. وتتسع إمبراطورية التستر لتشمل مَن أجّر المساكن للقادمين بلا إقامة نظامية، بل دون هوية وللشركات الكبرى التي وفّرت لهم العمل بأجر كبير قيل إنه وصل إلى 150 ريالاً يومياً للعامل العادي؛ ما جعل هؤلاء يتصلون بذويهم وأقربائهم طالبين منهم القدوم. والآن وقد بدأت عملية التصحيح التي نأمل أن تستمر هناك خطوتان لا بد من اتخاذهما حتى لا يُعاد بناء إمبراطورية التستر من جديد وأولى الخطوتين وأهمها إقامة استحكامات على حدودنا مع مختلف الدول، وبالذات تلك التي تدفقت الأعداد الكبيرة عن طريقها ولتشمل جميع أنواع الأسلاك الشائكة والجدران العالية والكاميرات الحرارية مهما كلف ذلك، فأمن الوطن تقدم له الأرواح التي لا يساوي المال أمامها شيئاً.. ومن المهم ألا تتم مجاملة أي دولة على حساب أمن وطننا مهما كانت الروابط والمصالح. ولعل الخطوة الأخرى التي تحتاج إلى بحث موسع من كُتاب الرأي ومن مجلس الشورى ومن الجهات ذات العلاقة تعتبر العلاج المستمر لضمان القضاء نهائياً على التستر.. وتتلخص في السماح لموظفي الدولة بالأعمال الحرة والعمل في القطاع الخاص مع وضع ضوابط دقيقة وشفافة تؤكد عدم تداخل المصالح الشخصية وأوقات الدوام مع أعمالهم الرسمية.. وأخص من موظفي الدولة الأطباء الذين يحتاج المجتمع إلى خدماتهم لأطول فترة من اليوم وفي مواقع مختلفة.. ويأتي كل ذلك في نطاق حشد طاقتنا لسد النقص والحد من الاستقدام.. وتقليل فترات الراحة والذهاب إلى الاستراحات فنحن في وقت يجب أن نستثمر فيه كل أوقاتنا وأن نحاول تقليل عدد العمالة المستقدمة، كل من موقعه وفي تخصصه. وأخيراً: كما ذكرت سابقاً فالأمر يحتاج إلى بحث وكفانا الأخذ بمبدأ سد الذرائع في هذا المجال، ويمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى، ومنها دول خليجية سمحت لموظف الدولة بالعمل الحر في ظل ضوابط واضحة وقوية، وبذلك يستغني بعضهم عن الاختفاء وراء أسماء زوجاتهم وأقاربهم لإيجاد عمل يحسّن دخلهم ويبعدهم عن التستر الذي يجب أن نحاربه بكل الوسائل.