بعض المسؤولين في المؤسسات الحكومية ربما إنهم ـ من حيث لا يشعرون ـ ينتمون للمدرسة الوجدانية التي ترى أن الألم النفسي لا بد منه في الحياة، وأنه ضروري لحركة الإنسان من النقص إلى الكمال، ولذلك نلمس فيهم تعمد إيذاء المراجعين نفسيا بأساليب مختلفة، غير مبالين بما يسببونه لهم من أمراض القولون والضغط والسكر. وأساليب الإيذاء النفسي تتعدد باختلاف مراتب الموظفين ومناصبهم، فالمدير سلاحه "الأبواب المؤصدة"، والموظف البسيط عبارة "راجعنا بكره"، وحارس الأمن "ممنوع الدخول"، وكل هذه الأساليب وغيرها من أساليب لا يتسع المجال لذكرها مؤلمة نفسيا للمراجع الذي قد لا تستغرق إجراءاته 10 دقائق. حقيقة ليس هناك ألم أكثر من ألم انتظار مواطن أمام بوابة مسؤول يقبع خلف أبواب مكتبه يحتسي القهوة والشاي، ويتحدث عبر هاتف الإدارة لإنجاز أموره الخاصة بالهاتف، بينما المراجع ينتظر الفرج خلف باب مكتبه لساعات عدة، وأخيرا ينتهي به المطاف إلى سماع عبارة "المدير في اجتماع مطول ولا مجال للدخول إليه اليوم". أما عبارة "راجعنا بكره" فهي العبارة الوحيدة التي تجعل ضغط المراجع يسجل أرقاما قياسية في الصعود، خاصة عندما يصاحبها "تجهم وجه" أو "نظرة ازدراء"، ليجد المراجع أنه الطرف الأضعف في الأمر الذي لا يقوى على شيء أمام هذه البيروقراطية، فيسلم أمره، وينتظر الغد حتى لا توضع العراقيل في طريق معاملته. ربما لو لم يكن لمكاتب مثل هؤلاء المسؤولين أبواب لما احتجبوا، ولذلك أقترح على هيئة الفساد طرح مناقصة عامة على شركة وطنية تتولى نزع أبواب مكاتب المسؤولين في الإدارات الحكومية الخدمية؛ كي لا يجد المواطن ما يعيقه عن الدخول لأي مسؤول، أما عبارة "راجعنا بكرة" فأعتقد أنها مستعصية على الحل!. ختاما دعونا نتساءل، من منا راجع إدارة حكومية خدمية وعاد منها وهو في قمة انبساطه النفسي؟. ومن منا استطاع أن ينجز معاملته في وقت قياسي لدى موظف حكومي دون أن يحتاج لبطاقة العبور الشهيرة "أنا من طرف فلان"؟!. الإجابة نعرفها جميعا.