النسخة: الورقية - سعودي لماذا لا يحمل السعوديون، ربما العرب إجمالاً أية علامة أو دلالة توضح إصابتهم بمرض ما؟ لماذا ليس في حقيبة المرأة أو محفظة الرجل بطاقة تقول إنه مصاب بالسكري، أو ضغط الدم، أو الزهايمر، أو القلب ، أو أي من الأمراض وقاكم الله جميعاً منها، ووهب الشفاء للمرضى برحمته وقدرته. لماذا لا توجد أسورة على معصم الطفل لها لون يعرفه البالغون ومن دون كتابة تقول إنه طفل توحدي، أو له احتياج خاص، أو مصاب بسكري الأطفال، أو لديه قصور في قلبه، أو أي شيء من ذلك. أتساءل من وحي قصة آمنة رحمها الله، وغيرها من القصص، التي تلحظ فيها أن من يطلب المساعدة، ومن يأتي لتنفيذها، كلاهما يتعامل مع المجهول، وبعد قدرة الله ومشيئته، فإن بعض الدقائق تحسم أحياناً كثيراً من المواقف، إذا توافرت المعرفة. أعرف صعوبة تطبيق ذلك، ربما استحالته عند كثير منا، فإن تسم شخصاً ما بمرضه حتى لو بطريقة بسيطة وغير لافتة لكنها معلومة على الأقل للمعلمات والمعلمين، للأكاديميين، لمسؤولي الأمن، إن تفعل ذلك فأنت ربما تزيد آلام المريض، وترهق نفسيته، لسبب مخجل إنساني، وهو أن المجتمع يتعامل مع المريض كإنسان ناقص، حتى وهو يتعاطف معه، يتعاطف معه بأسلوب غير حضاري يتمثل في النظرة والأسى على العيون، لكنه لا يتجسد وعياً إنسانياً عاماً، لا ينعكس على الخدمات المقدمة لبعض الفئات، لا يثمر وعياً جمعياً بأن الجدران والسلالم والممرات والأسوار العالية بنيت ليسخرها الإنسان، لا لتسخر منه. المرض أوضح رسالة تقول للإنسان ما أضعفك، لكن ليكن في معلومنا، في معلوم معظمنا الذي لا يعرف أو يتجاهل، أن المرضى غالباً هم الأقرب إلى الإنسانية، هم من تصبح الرؤية الروحية لديهم أوضح، أنقى، وأكثر سمواً عن مخلفات أية ثقافة سلبية نشأت في أية ذهنية جمعية لمجموعة من البشر. المرضى أقرب إلى الله من الأصحاء، وأقرب إلى الطبيعة والطيور والزهور، وأكثر حباً حتى للصحراء القاحلة التي أخذ البعض منها القسوة، لكنه لم يستشف جمالها ونقاءها وامتدادها كأفق يحتاجه. قبل أن نسم المرضى، يفترض أن يكون لدينا وسم روحي يربي عقولنا على أن كمال صحة الجسد لا يعني كمال العقل وسلامة الروح، وكذا فإن اعتلال الجسد لا يغير شيئاً من كينونة صاحبه. التاج الذي قالوا إنه على رؤوس الأصحاء ولا يراه إلا المرضى، يفرض على صاحبه كمفهوم ملكي نبيل أن يكون أكثر تواضعاً، وأوسع أفقاً. قال ابن القيم: «إذا تأملت حكمته سبحانه فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به إلى أجلِّ الغايات وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان، وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين الكرامة في حقهم، فصورته صورة ابتلاء وامتحان، وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم لله من نعمة جسيمة ومنَّة عظيمة تُجنى من قطوف الابتلاء والامتحان». mohamdalyami@gmail.com @mohamdalyami