×
محافظة الرياض

مدني عفيف يشارك باليوم العالمي للدفاع المدني

صورة الخبر

النسخة: تأملت كثيراً مما ننقمه على الآخرين فعلاً أو تركاً، فوجدت أننا واقعون في شيء منه وإن كان في بعض حالاته بدرجة أقل، لكن هذا لا يعفينا أن نجعل لأنفسنا نصيباً مفروضاً من النقد والمحاسبة. مجرد وجود فايروس المرض في جسدك كافٍ لفرض الرقابة عليه، الواقع أننا نرى في الآخرين ما لا نراه فينا، ونعيب منهم ما لا نعيبه من أنفسنا، أحياناً نمارس أفعالاً لو رأيناها من الآخرين لضاقت علينا الأرض بما رحبت، لكنها أوسع ما تكون ونحن نمارسها، فمثلاً يزعجك كثيراً أن ترى مسئولك المباشر قد استبد برأي أو قرار من دون أن يستشيرك فيه، لكنك تجد نفسك في مواطن أخرى مسئولاً بصورة أخرى عن آخرين، فتستبد بالرأي من دون مشورتهم، فلا يحرك ذلك في نفسك امتعاضاً أو حرجاً، وربما يأتيك الامتعاض من جهة إنكارهم عليك في هذا! هذا المعنى نبّه إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قاعدة شرعية مطلقة، وذلك في قوله: «فمن سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يأتوا إليه». ومعنى الحديث قريب ظاهر، وهو أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، وألا تعاملهم بما تكره أن يعاملوك به، ويشهد لهذا الحديث المشهور: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه». لا يرضى عاقل أن يستخفه الناس أو يسخروا من خلقته أو يحقروا من شأنه، أو يطعنوا في نسبه وشرفه، أو يلغوا في عرضه.. فإذا كنت لا ترضى من الناس هذه القبائح، فإن الناس كذلك لا يرضون منك إلا ما رضيته منهم لنفسك. بهذه القاعدة الجليلة عالج القرآن والسنةُ نزعاتِ الهوى ونفثاتِ الأنانية البغيضة، واقرأ القرآن لتجد فيه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ). فنهاهم أن يقصدوا الرديء في إخراج الزكاة ليستأثروا بالجيد، وجاء النهي هنا على وفق هذه القاعدة الجليلة، مقبِّحاً منهم أن يعمدوا إلى إخراج شيء لو أُعطوه لما أخذوه إلا على مضض، وبإغماض العين عنه كناية عن كراهيتهم لذلك. والرسالة هنا مفهومة، وهي أنكم كما لا تحبون أن يعطوكم الناس الرديء من أموالهم، فإن الناس كذلك لا يحبون أن تعطوهم الزكاة من رديء أموالكم. ثم انظر في سنة المصطفى لتجد فيها معالجة للانحرافات السلوكية بمقتضى هذه القاعدة الشرعية - أن تعامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به - فقد جاءه شاب عزَب فقال يا رسول الله: «ائذن لي في الزنا»! فلم يعنفه وقد سأله كبيرة من أكبر الكبائر، لأنه لولا خوفه من إثم الزنا لما جاءه يسأله أن يحلله له، ولكنه عالج مسألته بالحكمة والمنطق الصحيح إعمالاً لتلك القاعدة الشرعية، فقال له: «أترضاه لأمك»؟ فقال: لا! فقال: فكذلك النساء لا يرضونه لأمهاتهم...إلخ»، ثم وضع يده على صدره ودعا له، فقام من عنده وليس في قلبه شيء أكره إليه من الزنا. البدء بإصلاح النفس في مسيرة أي إصلاح متقرر بداهة، وليس في ذلك تعطيل للإصلاح أو مشاغبة عنه، كما أن البدء بإصلاح النفس وتفقد عيوبها لا يعني الإمساك عن إصلاح المجتمع حتى تصلح النفس، وما عهدنا في السابقين ولا اللاحقين من يطالب بهذا، بل يجب ألا يكون أحدهما مشغلة عن الآخر، فلا إصلاح النفس تعفي من السعي في إصلاح المجتمع، ولا الانشغال بإصلاح المجتمع بمسوغ للقصور في إصلاح النفس. بل أذهب إلى أبعد من ذلك لأقول إن من وسائل إصلاح النفس السعي في إصلاح المجتمع، وكأني وجدت القرآن يشير إلى هذا المعنى في قوله تعالى: «كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون»، فكأن نهي بعضهم لبعض عن منكر هم مشتركون فيه معين لجميعهم على تركه، الناهي والمنهي. ومن هنا فلا يسوغ بحال أن تكمم الأفواه المطالبة بالإصلاح تحت ذريعة وجوب أن تشتغل هي بتفقد عيوبها وإصلاح حالها، والأخذ بهذا المنطق يلزم منه إسقاط شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن الناس كلهم ذوو معايب وأخطاء. وصدق الشاعر:ولو لم يعظ في الناس من هو مذنبٌ * فمن يعظُ العاصين بعد محمَّدٍ     * أكاديمي في الشريعة. samialmajed@gmail.com @samialmajed