همست لصديقي، وهو محلل سياسي وأستاذ جامعي، بأن بيان الدول الثلاث تجاه قطر يعد سابقة تاريخية لم يعرفها مجلس التعاون الخليجي قبلا، وأضفت: "شهدنا سحب سفراء بين دول الخليج، ولكن سرعان ما تعود الأمور لمجاريها كأخوة يربطنا مصير مشترك ودين ودم ولغة، والموقف الأخير حيرني، وعادة دولنا أن تحتوي الخلافات وتحلها في الغرف المغلقة". أجابني: "ثق بأن الأمور وصلت لخط أحمر، واستنفذت كل الوسائل مع الجارة قطر، وكان لا بد من وضع الأمور في نصابها علنا". مخطئ من يظن أن السبب هم "الإخوان" فقط، فالموقف من قطر أكبر منهم، وإن كنت معترفا بحضورهم في الخلاف الطارئ، ولكنهم ليسوا السبب الرئيس في موقفنا من قطر. وأكتب هذه السطور، وأعرف أن الأمور بإذن الله ستنصلح، وسيتدخل حكماء آل ثاني، لتعديل سياسة قطر اليوم، التي لا تخدم المنطقة أبدا، وأدت لهذه المصارحة الحادة بين الإخوة، إذ لا يكفي التربيت على الأكتاف، سيما وأننا في مرحلة حرجة. دعم المعارضين للسعودية في لندن وغيرها من تلك العواصم، أمر لا يخفى على أي متابع، والموضوع قديم بل وحتى وسائل إعلام مدعومة بأموال قطرية تهاجمنا ليلا ونهارا، ودونكم مثالا صحيفة "القدس العربي" بعد عبدالباري عطوان، التي ازدادت فجورا وخصومة تجاهنا، وإن سكتنا على كل تلك الصبيانيات، إلا أن الأمر الأكبر هو بما قاله صديقي السياسي بأن قطر "رأس حربة" المشروع الأميركي في إحداث الفوضى الخلاقة في المنطقة، وتغيير الخرائط الموجودة، في تعديل طفيف لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تبنته كوندليزا رايس. للحق أقول، إن الشقيقة قطر حققت إنجازات تحسب لها، وتجاوزت محيطها الجغرافي لتكون لاعبا رئيسا في المنطقة، وتبوأت قبل ثلاثة أعوام المركز الأول بين دول الشرق الأوسط على مقياس التنافسية الدولية، بعد أن احتلت المركز السابع عشر بين 139 دولة على مستوى العالم، ومقياس التنافسية يقوم على 12 محورا رئيسا هي على الترتيب: محور المؤسساتية، البنى التحتية، البيئة الاقتصادية، الصحة والتعليم الابتدائي، التعليم العالي والتدريب، فعالية أسواق السلع، فعالية سوق العمل، مدى تطور السوق المالية، مدى التطور التكنولوجي، حجم سوق العمل، مدى تقدم نشاط الأعمال، والابتكارات. نفرح لجارة وشقيقة لنا أن تحقق كل ذلك، ومن الإنصاف أن نشير إلى ما أعلنت عنه مؤسسة "راند" في تقرير أصدرته قبل ثلاثة أعوام بأن دولة قطر نجحت في غضون سنوات قليلة بتطوير نظامها التعليمي الشامل، بحيث تمّ إضفاء العديد من الخصائص الجديدة إلى النظام، مثل استقلالية المدارس والتنوع في المنهاج التعليمي وغيرها من السمات التي جعلتها في أوائل الدول العربية من ناحية جودة التعليم. أنا أحد الذين كتبوا إعجابا بالتجربة القطرية، إبان فوزها العالمي التاريخي بتنظيم كأس العالم كأول دولة عربية، ولكن المؤسف في موضوعها اليوم؛ هذا التحليق البعيد في سياستها الخارجية عن سياسة جاراتها الخليجية، ولو كان فقط هذا التباين في السياسات لهان الأمر، ويمكن احتمال ذلك، فها هي تركيا اليوم تخالفنا في مصر وموضوع الإخوان ولم يحدث أن سحبنا السفراء، بل أقرب من ذلك الشقيقة عمان، وهي عضو في مجلس التعاون الخليجي، وهي التي حلقت بسياساتها بعيدا عن سياسية دول الخليج. دولة عمان لم تقطع علاقاتها مع مصر السادات، في وقت أجمع العرب ـ وليست دول الخليج فقط ـ على قطع العلاقات، وعمان كانت متواصلة مع عراق صدام في وقت قطعت الدول الخليجية جميعها علاقاتها بعد غزو الكويت، وعمان فاجأتنا أخيرا بعلاقاتها مع إيران، وهي من هندست من خلفنا ـ لعودة العلاقات لها مع الولايات المتحدة، ورغم ذلك لم تسحب دول الخليج سفراءها من مسقط. الأمر مع قطر مختلف؛ لأنها تجاوزت مخالفة المناخ السياسي الخليجي حيال مصر تحديدا، وغيرها من القضايا السياسية الكبرى، التي تمس أمن المنطقة، إلى استهداف النظم الحاكمة ودعم معارضيها. قلت لصديقي السياسي: "هل سنشهد تعنتا قطريا، وجنوحا للأصوات المتطرفة التي ترسم سياستها، ونشهد ارتماء لها في أحضان إيران، وتلقى دول الخليج نفسها أمام تحالف قطري إيراني تركي، وهل ستستخدم قوتها الناعمة والضاربة في آن، قناة "الجزيرة"، وتجلب المعارضين للدول التي سحبت سفراءها من الدوحة، وتعيد مشهد منتصف التسعينات إبان إنشائها؟ وترد عليها قناة "العربية" وبقية الأقنية الرسمية بحرب إعلامية هوجاء، ولن يفيد منها سوى أعداء المنطقة؟". أجابني بهدوء السياسيين وقال: "الاحتمال الأقوى أن قطر تدرك بأن سحب السفراء هو أشبه بـ"قرصة الأذن"، وأن الأمور وصلت لخطوط حمراء، والخطوات التي تلي مثل هذه الخطوة، ستكون أمرا مدمرا لاقتصادها ولنظامها الحاكم، ولا تستطيع أن تجابه جاراتها؛ لأنها ستخسر كثيرا جدا، ولذلك المعول الآن في عقلائها أن يتداركوا الوضع". شخصيا، أرى أن الأمور ستأخذ منحى التصالح، ومهما اختلفت قياداتنا، ففي النهاية يعرفون أن مصيرهم مشترك، ولذلك أتمنى على زملائي الإعلاميين، إيقاف هذا الترادح الذي نقرؤه لهم في بعض الصحف، وخصوصا الصحف القطرية التي أفردت لكل من هبّ ودبّ في أن يلغط ويغلط في حقنا. على وسائل الإعلام الخليجية ألا تنجر لمواجهة إعلامية تسكب فيها الأحرف التي تفرق، والكلمات التي تجرح، والعناوين التي تطعن، ولا تدري أننا نغرس تلك الحراب في خواصرنا، ونخيط أكفاننا بأيدينا. المؤمل منا كشعوب خليجية؛ ألا ننجر لهذا العارض الطارئ، وندخل في صميم المشكلة السياسة وانعكاساتها، فرابطة الأخوة والحب تسربلنا جميعا، فزعاماتنا إن اختلفت اليوم فستتفق غدا، وهذا قدر الأخوة مهما حرُد أحدهم وبعُد.. قطر جزء منا، وشقيقة مهما اشتطت، وعلى حكمائها التدخل للجم من يرسم سياستها التي تقوم على عداء وطعن الجارات. الوطن