لم يصدق حتى عامة الناس مزاعم الغرب في موقفه الشاجب المندد بقمع اعتصام الإخوان المسلمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة، بأنه غيرة منه على الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، فذاكرتهم بفضل وسائل الاتصال الحديثة تحفظ جيدا كيف واجهت الولايات المتحدة حركة "احتلوا وول ستريت" بعنف صارم، وكذلك فعلت بريطانيا مع مظاهرات لندن ومانشستر، مثلما فعلت فرنسا ذلك في أحداث باريس، حين كان ساركوزي وزيرا للداخلية، الذي نعت المحتجين بأنهم "حثالة"، وقل مثل ذلك في بقية أوروبا ومنها المواجهة العنيفة في ميدان تقسيم في إسطنبول وقمع احتجاجات مماثلة سواء جماعات الخضر أو الساخطين على مؤتمرات العولمة. لقد ثابر الغرب في مرافعته لمصلحة الإخوان على تسويق معزوفة "ميكانيكية" صرفة تخدم مصالحه، على أساس أن دور العسكر "نجس بالمطلق" ورقص عليها متمقرطون عرب وغير متمقرطين، رغم أن الجيش المصري بالذات جيش وطني وليس جيش (نظام). فيما اعتبر الانقلابات العسكرية في أمريكا اللاتينية، وأشهرها إطاحة بينوشيه في تشيلي بحكومة اللندي نصرا مظفرا للديمقراطية .. إنه النفاق الغربي ولعبة المصالح. هناك من فسر هذا الموقف الرسمي الغربي بفكرة المؤامرة واستراح (!!) وإن بقي موقف الإعلام الغربي محل حيرة، خصوصا وقد اعتاد هذا الإعلام على إقامة الدنيا وعدم إقعادها عند أي عنف يقع على مواطن قبطي مثلا في مصر أو كنيسة واحدة، فيما الكنائس تحرق والأقباط يهددون وتهاجم محالهم اليوم. لقد ارتبطت جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها بعلاقة مميزة مع أمريكا وبريطانيا، وكانت الجماعة أهم عناصر استراتيجية مواجهة المد القومي واليساري إبان الحرب الباردة في الخمسينيات في مشروع فوستر دالاس وزير خارجية أمريكا آنذاك، ومن ناحية أخرى، تشكل أيديولوجيا الإخوان تماهيا مع الفكرة الرأسمالية الجشعة في احتكار الثروة وتسييد دورها وتبريره (شركات تشغيل الأموال مثالا)، كما لا يشكل مفهوم الوطن والمواطنة أي أهمية لدى الإخوان، فهو مما لا يعترف به فكر الجماعة لأنهم يرون حركتهم تنظيما دوليا فوق الأوطان والشعوب، مما لا يجعل للوطن وللمواطن حرمة أو قداسة لديهم، وإنما للمقولات والأفكار اللاتاريخية التي تبرر لهم حتى ازدراء الوطن كما جاء على لسان عدد من زعمائهم .. كقول مرشد الإخوان السابق محمد عاكف "طز في مصر" وحتما يشكل هذا المنظور النافي المزدري للوطن والمواطنة إغراء رحبا للغرب في أن يرسخ أجندته السياسية والاقتصادية دون تحسس أو خشية من المساس بالهوية الوطنية أو القومية التي تضعها الأوطان والأمم عادة فوق كل اعتبار. هذه "اللاوطنية واللامواطنة" الإخوانية تلعب في الوقت الراهن دورا محوريا يفسر هذا التهافت الغربي على المرافعة لمصلحة الإخوان تحت مزاعم حماية الديمقراطية، فإسقاط الإخوان قداسة الوطن والمواطنة يزيح عن الطريق المانع الأخطر والأهم المتمثل في رفض وجوده إسرائيل في المنطقة، بل سيشكل حكم الإخوان (فيما لو نجح!!) اطمئنانا لإسرائيل ظلت تحلم به، ليس في أن تخرج مصر من معادلة الصراع العربي معها، إنما كذلك ليلعب الإخوان دورا في تأهيل "حماس" في غزة كي تسير في الركب، وقد بدا ذلك واضحا في الهدنة التي سعى محمد مرسي إلى تحقيقها حين تفجر الأحداث قبل نحو عام في غزة.. ولعل هذا الموقف للإخوان المسلمين مع إسرائيل يكاد يكون هو مربط الفرس والأشد تفسيرا لهذا العويل الأمريكي الأوروبي على قمع الإخوان وعلى ديمقراطية لا يؤمن الإخوان أصلا بها في أدبياتهم وواجهوها بمغالطات من نوع: (إذا كان لا إكراه في الدين .. فهل يكون إكراه في الديمقراطية؟"، وقبولهم بها أخيرا ليس سوى تكتيك مرحلي انتهازي للوصول فقط إلى السلطة، تماما مثلما كان الحال مع جبهة الإنقاذ في الجزائر وغيرها من الإسلام السياسي. لكن الغرب، مع ذلك، لا يهمه سوى إسرائيل، فهو يراها "حصان طروادة" مصالحه من ناحية، ويرى منطقتنا "المطهر" الذي يريد أن يغسل فيه عقدة ذنبه تجاه ما وقع لليهود على يد النازية من ناحية أخرى. أما لماذا انقاد الإعلام الغربي إلى اللطم وشق الجيب تحسرا على الإخوان، فلست أبرئ دور النفوذ الإسرائيلي في الصحافة الغربية سواء في ملكيتها أو في تحريرها، ولم تستطع بقية الصحف سوى مجاراتها إما خوفا وإما طمعا، وبالتالي تطابق الموقفان الرسمي والإعلامي الغربيان في "إخوانية غربية"!!