بغداد - أكد العراق أن خط عدائه للسعودية في سياق تمترسه الطائفي مع إيران، نهائي ولا رجعة فيه وأن هذا العداء دخل مرحلة جديدة بإعلان بغداد رغبتها الصريحة في أن ترى قانون "جاستا" الأميركي يحاسب السعودية على رعايتها للإرهاب. وكان العراق الدولة الوحيدة التي رفضت التصويت على قرار القمة العربية - الأفريقية التي اختتمت مؤخرا أعمالها في كينيا، بإدانة قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) الذي اقترحته السعودية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية احمد جمال إن "التحفظ (على إدانة القانون الذي يتيح لضحايا 11 أيلول/سبتمبر مقاضاة السعودية) يأتي في إطار موقفه (العراق) الثابت والراسخ بضرورة محاسبة رعاة الإرهاب وتقديمهم للعدالة وتحميلهم مسؤولية تعويض من تضرروا من الجرائم والعمليات الإرهابية". ويقول مراقبون إن هذا الموقف الذي يأتي في ذروة الاختلاف بين البلدين يترجم حقيقة انصهار حكومة الائتلاف الشيعي العراقية في المشروع الإيراني في المنطقة وتوجهها للانسلاخ به عن محيطه العربي والالتحاق بمحور شيعي يتشكل في المنطقة على قاعدة استعداده لخوض حرب على "الوهابية السنية" بقيادة السعودية إلى النهاية، ومهما كانت النتائج المتربة عن ذلك. ويؤكد المراقبون أن تفاصيل معارك بغداد بقيادة الائتلاف الشيعي الحاكم تبين بوضوح أن كبار قادة هذا الائتلاف استعدوا السعودية لأسباب لا علاقة لها بمصالح العراق على الإطلاق، وإنما بالمصالح الإيرانية وبالصراع الإيراني السعودي المحتدم في المنطقة. ويضيف هؤلاء أن مواقف حكومة العراق تجاه السعودية لا تختلف مطلقا عن موقف بعض المليشيات المدعومة من ايران سواء داخل العراق نفسه أو مليشيا حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن. وفي خضم هذه العلاقة المتشابكة بين إيران وحلفائها في العراق من حكام وقادة مليشيات أو حزب الله اللبناني أو الحوثيين أو شيعة البحرين ظلت السعودية تتعرض لحملات عدائية وصلت الى حد التهديد بإعلان الحرب عليها كما كان الحال مع المليشيات العراقية في كثير من الأوقات، أو لحملات إساءة ممنهجة كما يفعل حزب الله في كل مرة بسبب الموقف السعودي في البحرين او في سوريا او في لبنان. وفي منطق هذا التكتل الشيعي ـ كما يبدو ـ فإن على الرياض الا تتحرك للدفاع عن مصالحها ضد الخطر الإيراني وألا تقف حجر عثرة أمام توسعه المريب وإلا فإنه يتم خلق الذرائع والتعلات لكيل التهم لها وحتى تهديدها عسكريا مثلما يفعل الحوثيون اليوم في اليمن. وبالنسبة للعراق فقد وصل اختلاف النخب الشيعية الحاكمة هناك مع السعودية إلى ذروته في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. ويقول محللون "بالنسبة للمالكي، فقد كان من المشروع أن تتدخل ايران لتحتل العراق وسوريا واليمن ولبنان باسم الدفاع عن الطائفة الشيعية ولا تتدخل السعودية ولو بالكلمة للدفاع عن السنة الذين يتعرضون للإبادة. وكانت حكومة المالكي من أكثر الحكومات التي قادت العراق بعد احتلاله اميركيا، تنكيلا بالسنة وبباقي مكونات الطيف السياسي والطائفي والعرقي المختلف مع ولاية الفقيه في ايران. ويتهم مسؤولون سعوديون رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي بأنه هو من زرع حالة غير عادية من الكراهية لبلادهم والتي ماتزال مستحكمة عن طريق المسؤولين الذين زرعهم في مختلف مؤسسات الدولة العراقية. وهاجم ثامر السبهان وزير شؤون الخليج بالخارجية السعودية المالكي، مؤكدا أنه سبب الدمار الذي حل بالعراق، ومتهما إياه بتسليم البلد لتنظيم الدولة الإسلامية وتكريس الطائفية. وخلال مقابلة مع قناة "أم بي سي"، اتهم السبهان المالكي بأنه "دمر الشيعة ودمر السنة وحارب الأكراد، وللأسف بين يوم وليلة وجدنا عربات بسيطة من داعش تهاجم العراق وتحتل 70 % من أراضيه". وأضاف السفير السعودي السابق لدى بغداد "هنالك أكثر من علامة استفهام حول الانسحاب الذي تم للجيش، وبأمر من؟، ومن مكن الدواعش من محاربتنا نحن في السعودية وبقية الدول العربية؟" وكانت السعودية قد اضطرت تحت ضغوط المليشيات الشيعية ومسؤولين متنفذين في الدولة إلى سحب السبهان بعد أن تعرض لتهديدات امنية خلال مباشرته لعمله في بغداد، حيث اتهمته الأطراف الشيعية بأنه يتدخل في شؤون العراق وبـ"دعم الإرهاب". وأكد السبهان أن الأمل في مستقبل العراق يعتمد على الشرفاء من العراقيين من سنة وشيعة ومسيحيين وصابئة وأيزيديين، الذين يدركون من هو المسؤول الحقيقي عن بث الطائفية في بلاد الرافدين. وأشار الوزير السعودي إلى أن هنالك "دولة عميقة" في العراق، تتبع نوري المالكي ومن ورائه إيران، تساهم في محاربة الحكومة العراقية الحالية واحتماليات التقارب العربي معها.