صحيفة وصف : مشعل السديري كانت (زاد مهر) جارية بارعة الجمال٬ طيبة الغناء٬ رآها يو ًما فتى من بغداد فعشقها٬ وأخذ في استعطافها بالمراسلات والمكاتبات٬ وهي امرأة لا تعرف إلاّ وأخذ يصف لها في خضوع عشقه وسهره في الليالي٬ وتقلبه على جمر المقالي٬ وامتناعه عن الطعام والشراب٬ وما يشاكل هذا من الهذيان الفارغ الذي لا طائل فيه ولا نفع. فلما أعياه أمرها٬ ويئس من تعطفها عليه٬ كتب إليها قائلاً: وإذ قد منعتني زيارتك٬ فمري بالله خيالك أن يطرق بابي٬ ويبرد حرارة قلبي. فقالت (زاد مهر) لمرسولته التي أتت بخطابه: ويحك٬ قولي لهذا (الرقيع): أنا أعمل ما هو أفضل من أن يطرق بابك خيالي٬ أرسل لي (ص ّرة من الدنانير) حتى أجيئك أنا بنفسي انتهى. الحقيقة أن (الرقيعة) هي٬ وليس ذلك الفتى (العذري) الساذج. وما أبعدها عن جارية يقال لها (محبوبة) من خراسان٬ كان أهداها عبد الله بن طاهر لأمير المؤمنين (المتوكل)٬ وكانت بارعة الجمال٬ نشأت في الطائف وأجادت الشعر والغناء٬ فشغف بها المتوكل حبًا٬ حتى إنها كانت لا تفارق مجلسه ساعة واحدة. ثم إنه حصل منه عليها بعد ذلك جفاء٬ فهجرها٬ وبعد فترة قال لعلي بن الجهم٬ وهو من خاصته المقربين: كأني رأيت بالمنام أنني رضيت على محبوبة وصالحتها٬ فقال علي: خيرا رأيت يا أمير المؤمنين٬ أقر الله عينك٬ إنما هي جاريتك والرضا والجفاء بيدك. وبينما كانا في حديثهما إذا بإحدى الوصيفات تأتي وتقول: يا أمير المؤمنين٬ سمعت صوت عود من حجرة محبوبة٬ فقال: قم بنا يا علي ننظر ما تصنع٬ فنهضنا حتى أتينا عند باب حجرتها٬ فإذا هي تضرب بالعود٬ وتقول: أدور في القصر لا أرى أحدًا / أشكو إليه ولا يكلمني كأنني قد أتيت معصية / ليس لها توبة تخلصني فهل شفيع لنا إلى ملك / قد زارني في الكرى وصالحني حتى إذا ما الصباح لاح لنا / عاد إلى هجره وصارمني فصاح أمير المؤمنين٬ فلما سمعته هي فتحت الباب٬ وأكبت على رجليه تقبلهما٬ فقال: ما هذا؟ قالت: يا مولاي رأيت في منامي هذه الليلة كأنك قد رضيت عني٬ فأنشدت ما سمعت٬ قال: وأنا والله رأيت مثل ذلك٬ ثم قال: يا علي٬ هل رأيت أعجب من هذا الاتفاق؟ انتهى. أنا أفهم توارد الخواطر٬ الشعري والكتابة٬ ولكن أن تتوارد الأحلام كذلك٬ أعتقد أنها (واسعة)٬ إن لم تكن مستحيلة. والحكاية وما فيها هي: إما أن يكون تفكيري محدودًا٬ وإما أن علي بن الجهم قد صاغها بالاتفاق مع أمير المؤمنين. والمثل يقول: (إش عرفك إنها كذبة؟! قال: من كبرها) (0)