خالص جلبي مفكر وطبيب كندي من أصل سوري، يواظب على الكتابة في المجالات السياسية، وعرف بدعوته للمقاومة السلمية وتناوله الجريء للنصوص الدينية، مما شجع البعض على اتهامه بالزندقة وإنكار الجهاد. المولد والنشأة ولد خالص مجيب جلبي عام 1945في مدينة القامشلي (شمال شرق سوريا). الدراسة والتكوين تخرّج من كليّة الطب جامعة دمشق عام 1971، ثم التحق بكلية الشريعة في الجامعة ذاتها، وتخرج فيها عام 1974، وفي عام 1982 حصل على الدكتوراه في الجراحة من جامعة "فاخ أرتس" بألمانيا الغربية، ويتحدث اللغتين الألمانية والإنجليزية إلى جانب العربية. الوظائف والمسؤوليات مارس الطب في سوريا، ثم عمل طبيباً جراحاً في القصيم (وسط المملكة العربية السعودية)، ونشط في المجال الفكريوالسياسي؛ فشارك في العديد من المؤتمرات، كما كتب في العديد من الصحف العربية والعالمية. التجربة الفكرية إن دراسة جلبي الشريعة الإسلامية والطب فتحت له آفاقاً علمية واسعة، مما أتاح له الكتابة في مختلف المجالات، ومكنته من توظيف العلم والفلسفة والتاريخ في دراسة وتحليل الواقع العربي والإسلامي. يرى جلبي نفسه مفكرا إنسانيا عالمي الثقافة، وعُرف بأفكاره الجريئة في مختلف القضايا المحورية في المشهد السياسي العربي والإسلامي. قادته آراؤه للسجن في سوريا، وعمل فترة في القصيم بالسعودية، ومنها واصل كتابته في الصحف وطرحه الجريء في القضايا الجدلية. جلبي الحاصل على الجنسية الكندية والمقيم في المغرب يؤمن بالأسلوب السلمي كأداة تحرير أساسية للإنسان العربي، ويشدد على أن أفكار اللاعنف تلعب دورا محوريا في فهم كوكب السلام، "لأن اللاعنف يعني تلقائيا ولادة العقل، وهو لم يولد بعد في العالم الإسلامي". يرى أن "الحضارات تسقط بالانتحار الداخلي، وليس بالهجوم الخارجي، وبالمرض الطويل الذي يسلّمها إلى النهاية المحتمة: الانهيار والاندثار". في الصراع العربي الإسرائيلي، يرى جلبي أن الفلسطينيين بحاجة إلى غاندي جديد؛ لأن أهمّ ما يحتاجه العرب هو "مناخٌ عقلي يحرر إرادتهم وإمكاناتهم". ويطالب جلبي بالاعتراف بحقيقة أن المجتمع الإسرائيلي ديمقراطي، وأن اليهود ليسوا سواء في تعاطيهم مع العرب؛ فمنهم الصهيونيون ومنهم المسالمون. كما يستغرب جلبي بتمثّل المجتمع اليهودي لخصال قرآنية طلبها الله تبارك وتعالي من المسلمين، حيث يبدو يهود إسرائيل "رحماء بينهم" رغم تعدد مشاربهم، وهم في الخارج "أشداء على الفلسطينيين والعرب"، بينما الطبيعي أن تكون هذه خصال المسلمين؛ حيث يقول الله تعالى "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم". وفي المقابل، يرى أن هناك خصالا يهودية ظهرت في المجتمع العربي المسلم، وهي الوحدة الشكلية بينما القلوب ينخرها التشتت؛ في إشارة إلى قوله تعالى "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى". وفي سياق طرحه الجريء، ينتقد جلبي تفسير العلماء للنصوص القرآنية والكتابة عنها بما يستجيب لخلفياتهم الثقافية والاجتماعية، وحتى مواقفهم الشخصية مما يجعلهم في تناقض. ومن الأمثلة التي يسوقها هنا: اختلاف تفسير كلمة "سياحة" في معرض حديث القرآن الكريمعن الرجال:"التائبون العابدون السائحون"، حيث تركوها على ظاهرها وهو: السفر والنزهة ونحو ذلك. وفي معرض الحديث عن المرأة (تائبات عابدات سائحات) كانت السياحة تعني الصوم عند الكثير من المفسرين. وفي نظر جلبي فإن أساس هذا التفسير هو رفض حرية المرأة والنظر إلى الحجاب كأنه حبس مؤبد. هذه المواقف والآراء جلبت للمفكر الطبيب انتقادات كثيرة إلى حد أن البعض اتهمه بإنكار الجهاد والزندقة. وأفتى العالم السعودي عبد الرحمن البراك بكفر جلبي وزندقته واتهمه بالطعن في شريعة الجهاد، لكن جلبي رد بالدعاء للبراك بالغفران والهداية، وقال في تصريحات صحفية "التطرف ليس حكمة"، وذكّره بقول ابن تيمية "إن العلماء يخطّئ بعضهم بعضاً، وإن أهل البدع يكفّر بعضهم بعضاً". انتقد جلبي ما يسميها ظاهرة اغتيال المثقفين في العالم العربي، حيث يقول "لم يبق في الغابة إلا الضواري تسرح، وأما المثقفون فداخل أقفاص الغابة بين متهم وعميل ومشترٍ ومنسحب وخائف على نفسه يترقب أن يخرج من اعتقال إلى إقامة جبرية إلى ملاحقة قانونية، وأحيانا ضربا باليمين على الوجوه والأدبار". المؤلفات كتب جلبي مئات المقالات في الصحف والمجلات السعوديّة والعربيّة، وشارك في العديد من المؤتمرات العلميّة العربيّة والدوليّة. تعكس مقالات ومحاضرات جلبي دعمه للثورة في سوريا وباقي البلدان العربية، ويرى أن الربيع العربي يمر بمحنةضرورية، وأنه لابد من نهايةللاقتتال والتناحر،انطلاقا من قوله تعالى "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". وألّف كتباً علمية عديدة منها: الطب محراب الإيمان، وعندما بزغت الشمس مرتين: قصة السلاح النووي، وأين يقف العلم اليوم، والإيدز طاعون العصر، والعصر الجديد للجراحة -من جراحة الجينات إلى الاستنساخ الإنساني، والإيمان والتقدم العلمي، وحوار الطب والفلسفة. ومن كتبه الفكرية: فلسفتي،ومخطط الانحدار وإعادة البناء، وقوانين التغيير ظاهرة المحنة- محاولة لدراسة سننية، وضرورة النقد الذاتي للحركات الإسلامية، وسيكولوجية العنف وإستراتيجية العمل السلمي".