×
محافظة حائل

تكليفات جديدة لتعليم الكبار والاهلي والأجنبي “بنين” ومكتبي شرق وجنوب حائل”بنات”

صورة الخبر

للمتنقلين في فضاءات بيروت الفنية وفي أجواء حواراتها الثقافية التعبيرية والفكرية والبحثية، محطات ومواعيد تدور سهراتهم اليومية حولها وتتكرر في انتظام أسبوعي. فمن مبنى في منطقة صناعية، إلى قاعة كانت معرضاً للسيارات، إلى منزل قديم مهجور أو استوديو في شارع جانبي، لا تلبث أن تصبح هذه المحطات نمطاً حركياً يربط شوارع قد يخالها الوافد إلى المدينة متباعدة، وإذا بتقاربها لا يقتصر على الجغرافيا فحسب، بل يتخطاه إلى نوع من التكامل في الرؤية والعمل والمشروع. إلا أن الأهم من ذلك كله هو تقاطع هذه الفضاءات الفنية عند الدور النسائي المؤسس في نمط تكوينها وإدارتها وتوجهاتها. خريطة فنية ترسمها نساء، وكلما اتضحت الخريطة الفنية للمدينة صَعُب إغفال الحضور النسائي فيها، بدءاً من مؤسسة «أشكال ألوان» التي أسستها كريستين طعمه في العام ١٩٩٥، والتي تضطلع بدور بارز يصل إلى حدود العالمية في إنتاج العمل الفني وترويجه ضمن برنامج «أشغال داخلية» السنوي. وقد صنّفت طعمة من بين الشخصيات القيادية الأكثر فعالية وتأثيراً، في تقويم مجلتَي «Monocle» البريطانية و»Art review» الدولية. وهناك الفنانة لمياء جريج وساندرا داغر مؤسستا «مركز بيروت للفن»، وميرين ومروى أرسانيوس مؤسِّستا «98 أسبوع»، وأندريه صفير القائمة على غاليري «صفير- زملر»، وجوي مارديني القائمة على غاليري «آرت فاكتوم»، وهانيا مروّة التي غامرت وأنشأت سينما «متروبوليس» للأفلام الثقافية غير التجارية فيما تغزو أفلام هوليوود كل بيت. ويتلاقى هذا الحضور ويتداخل مع أدوار نسائية في محطات عربية أخرى تشكل محطات تبادل وتواصل دوريين، كالقاهرة والشارقة ودبي، أبرزها مؤسسة الشارقة للفنون التي ترأسها الشيخة حور القاسمي، وتنظم كلاًّ من «بينالي الشارقة» و«لقاء مارس»، ومؤسسة «آرت دبي» بإشراف أنتونيا كارفر وسافيتا أبت، وصولاً إلى المبادرات المصرية المستقلة، مثل مؤسسة «المورد الثقافي» التي ترأسها بسمة الحسيني وحنان الحاج علي، و«مركز الصورة المعاصرة»... وغيرها. وإن كان من دافع للتوصيف المكاني لهذه العيّنة البيروتية الصغيرة والفاعلة في نطاق إنتاج المعرفة الثقافية والفنية في العالم العربي، فهو التوظيف النقدي لمفهوم «النقاط العمياء» الذي يعبر عن التفاصيل المغيّبة من المشهد، سواء في التجربة البصرية ضمن ممارسات العيش في المدينة أو التجربة السردية التأريخية للسيرورات الفنية والأدبية والثقافية عموماً، فالجيوب السرية للمدينة يخرجها من الكتمان هذا الظهور الفني النسائي الرائد في الوقت الحاضر في تشكيل الوعي الفني تاريخاً وإبداعاً ونقداً، وتخرج معه وبالتوازي الأدوار النسائية في جميع مراحل التطور والنضوج الفني خلال القرن الماضي لتأخذ مكانتها الإبداعية التي تستحق.   تجاهل الإبداع النسوي ترى ميرين أرسانيوس، إحدى الشريكات الثلاث في إدارة مشروع «98 أسبوع» الفني البحثي، أن في هذا الدور مواجهة مع تقسيم العمل التقليدي للأدوار الجندرية، حيث المرأة تتولى الوسيط غير المنتج أو الحاضن للإبداع بدلاً من اتخاذ المبادرة الإبداعية. فقد أفنت العديد من النساء جهوداً بالغة وسنوات عديدة في بناء مؤسسات محرّكة للحوار والإبداع الفني، إذ يسهل معها ارتكاب الخطأ المعهود في النظر إلى المرأة على أنها المسؤولة حكماً عن توفير مناخ ملائم للإبداع الرجالي من دون المساهمة فيه. وتحمّل أرسانيوس الحضور النسائي المؤسساتي بذلك مسؤولية الوعي والالتزام بالشراكة الضمنية لتحقيق مشروع مختلف يصب بشكل مباشر أو غير مباشر في إزالة هذا الحكم التقليدي عن كاهل المرأة. وتقول: «ثمة خطر في الانزلاق إلى هذه الأدوار الجندرية التقليدية لا يزول إلا بتعزيز إدراكنا لمكامن قوتنا كطاقة فكرية بشكل أساسي وبتطبيق هذا الإدراك على مقاربتنا لطريقة كتابة تاريخ الفن». فالسائد يعطينا الانطباع بأن الإبداع الفني كان دائماً مهمة يتولاها الرجال دون النساء، وذلك وفق مقارنة حسابية عددية هي (إلى جانب كونها لا تعد مقياساً حقيقياً لقيمة الإنتاج) نتيجة طبيعية لمنهجية تاريخية تتعامى عن مساحات الإبداع النسائي وتتعمد إكثار الحديث في المقابل عن الرجال. وتطرح أرسانيوس التحدي المترافق مع تجديد المقاربة إلى تاريخ الفن في لبنان والعالم العربي تحديداً، حيث تغيب النصوص التاريخية التشريعية (canonical)، وبالتالي تصبح مبادرات إعادة التموضع في النظر إلى الحراك الفني ودور النساء فيه، عبارة عن محاولات تقصٍّ في المساحات العمياء لوضع الإصبع على الحقائق الغائبة وإكمال الصورة بما توافر منها. ففي ظل غياب المرجعية التي تتولى هذه المحاولات عادة الردَّ عليها وإعادة الاعتبار لما غاب منها، يتعين على الباحثين والباحثات في العالم العربي كتابة تاريخ ما، على أن هذا التاريخ لن يتمكن من التملص من عقدة الإقصاء التي تنطلق من دافع محاربتها بالدرجة الأولى. ومعنى ذلك أن المقاربات المغايرة لتاريخ الفن في ظل يُتْم مرجعي، ستتطلب جهوداً متواصلة للتنقيب لا تنحصر في مسيرة الفن وحده، بل تتعداه إلى النصوص الأدبية والسياسية والتاريخية وغيرها، كما تتطلب اعترافاً ذاتياً بقصور كل منها على حدة في تكوين صورة حقيقية لما حدث. وكانت القيّمة والباحثة الفلسطينية رشا السلطي قد أضاءت على هذه المسألة بالذات في مقاربة لنصوص من غادة السمان والفنانة المصرية آمال قناوي التي توفيت في العام ٢٠١٢، وذلك أثناء محاضرة ألقتها أخيراً في «98 أسبوع». وعن تجربتها الخاصة في تأسيس مشروعها، تقول أرسانيوس إنها أدركت مع الوقت أهمية المواجهة الجندرية في توزيع الأدوار في مجال الفن. توصلت مع شريكتها الفنانة مروى أرسانيوس إلى طرح التساؤلات الكبرى حول معنى وجود المرأة في طليعة الإنتاج المعرفي والثقافي، فيما لا تزال الفكرة السائدة تقضي بأن الرجل يفكر والمرأة تنفّذ. وتتجلى هذه التساؤلات في مشروع بحثي راهن يتضمن سلسلة من قراءات نظرية في نصوص نسوية بين ٧ آذار (مارس) و٢٥ نيسان (أبريل) سينتج عنها الإصدار السادس لمطبوعة «98 أسبوع» العام المقبل، مع خلاصات مستمدة من هذه اللقاءات البحثية.