علاء الدين محمود يعيد كتاب الوصية السياسية.. أفكار بليخانوف الأخيرة، الأضواء مرة أخرى للمنظّر جورجي فالنتينوفيتش بليخانوف (1856 - 1918)، فيما يشبه إعادة الاكتشاف للمفكر الكبير المشبع بالفكر الماركسي. لم يتوقع أحد من أنصار ثورة أكتوبر، كما خصومها، ذلك السقوط المدوي للاتحاد السوفييتي، بتلك الطريقة التراجيدية، والذي شكل نقطة انعطاف كوني كبير، ولئن وجد البعض هذا الحدث مفاجئاً، فقد كان هنالك من يتوقعه وينتظره، ومن هؤلاء كان المفكر الروسي الشهير بليخانوف، وربما ذلك هو الذي أعطى وصيته أهمية استثنائية، حيث كان بليخانوف من المؤيدين للثورة وللينين، إلى أن اختلف معه، وتحولت العلاقة الرفاقية إلى جفوة عام 1903 وانحاز إلى المناشفة، عندما انقسم الرفاق إلى بلاشفة ومناشفة، أي أكثرية وأقلية، وبعد الثورة الشيوعية لجأ إلى فنلندا، وكان بليخانوف يرى أن الثورة تسير منحرفة عن الفكر الماركسي. وكتب بليخانوف الكثير من الأفكار التي صنفت معادية للثورة، والتي حجبت في معظمها، وفي عام 1999، تم الكشف عن واحدة من أهم الوثائق الخاصة بالثورة الروسية، والتي تحمل أفكاراً طرحت في عام 1918، وهي عبارة عن وصية أو أفكار سياسية لبليخانوف الذي كان يعتبر من أعظم الشخصيات في حركة الاشتراكية العالمية آنذاك، وأحد الآباء الروحيين للاشتراكية الروسية، وقد تصدرت تلك الوصية كلمات تشبه البيان لبليخانوف يقول في بعضها: أنا جورجي فالنتينوفيتش بليخانوف، الذي أعطى الحركة الثورية في روسيا وأوروبا كل حياته الواعية، والذي يعتبر ليس فقط شاهداً ومشاركاً، بل وبرأي الكثيرين مذنباً مباشراً في أضخم الأحداث مأساوية في الوطن، لا أستطيع أن أرحل عن الحياة من دون أن أعلن عن علاقتي بهذه الأحداث. فبعد أن قام البلاشفة بحل المجلس التأسيسي، صوّبت نحوي الكثير من الاتهامات المريرة من جميع الجهات. وعلى الرغم من أنني أرى أنه لا داعي للتبرير، ففي كل الأحوال ينبغي الإشارة إلى أن ذنبي ليس هكذا كبيراً كما يعتقد ف. بشيرنوف وأنصاره، كما لا يجب إدانة بروميثيوس لأن الناس يسيئون استخدام النار، لا يجب أيضاً إدانتي لأن لينين يستخدم أفكاره بشكل ذكي من أجل تأكيد استنتاجاته الخاطئة وتصرفاته السيئة. ويدافع بليخانوف في وصيته عن الماركسية عندما يصفها بأنها نظرية متناسقة، تجمع بشكل عضوي بين كل من المادية الديالكتيكية والاقتصاد السياسي والاشتراكية العلمية، ويرى بليخانوف أن حركة البروليتاريا ظلت عفوية وغير مفهومة، وكان الأمر في حاجة إلى ذلك الشخص الذي يمكنه أن يضع في يد البروليتاريا سلاحاً رهيباً - نظرية اجتماعية جديدة ترفع الطبقة العاملة إلى مستوى فهم دورها التاريخي وتمنحها آفاقاً مستقبلية، هذا الشخص كان كارل ماركس، ويشرح بليخانوف كيف أن أتباع ماركس قاموا بتشويهه، ففي البداية قاموا عن وعي، أو عن سوء فهم، بتشويه ماركس على المستوى الشخصي، وبعد ذلك راحوا يصححون ما فعلوه بعين العطف. وتم توجيه النقد إلى جميع جوانب نظرية ماركس، ولكن الجانب الأكثر حدة من هذا النقد كان موجهاً على الدوام إلى نظرية التطور الاجتماعي، خاصة إلى البيان الشيوعي. ويقول بليخانوف إن ذلك الفعل جعل البيان الشيوعي مقتحماً ومجرّحاً في جوانب عديدة منه، ولعل هذا التشويه قد انتقل إلى الأفكار البلشفية في تأسيس الثورة والدولة، فهو يرى أن لينين قد انقلب على ماركس، وبدأ في توجيه التاريخ الروسي إلى طريق خاطئ ومسدود، ويقول بليخانوف إنه قد قام في أكثر من مرة بتحذير البلاشفة، وكل من يميل إلى مصطلحاتهم وتعبيراتهم وشعاراتهم المضللة، من العجلة وروح المخاطرة في العمليات الثورية، ليخلص إلى أن روسيا لم تكن جاهزة للثورة الاشتراكية.