قالت مصادر مطلعة لـ «الحياة» إن السعوديين الذين عادوا من أفغانستان عاملتهم السلطات السعودية بعد توقيفهم للتحقيق بحسن نية، ومع ذلك نقلوا الفكر القتالي إلى السعودية، وأسسوا جماعات متطرفة، وحرضوا على القتال في الداخل، مشيرة إلى أن الأمر الملكي بسجن كل من شارك في أعمال قتالية خارج المملكة أو الانتماء إلى تيارات متطرفة، يجعل لهيئة التحقيق والادعاء العام القدرة على توجيه تهم إليهم. وأوضحت المصادر في اتصال هاتفي أجرته «الحياة» أن الأنظمة التي وردت في الأمر الملكي تجرّم الأعمال والأفعال التي يقوم بها كل مخالف في مناطق الفتن والصراعات، ويحق للجهات المختصة توجيه التهم إليهم، بحيث أن بعضهم ربما يخفون انتماءاتهم ومشاركاتهم المتطرفة، ويستفيدون من العفو بعد أن يسلموا أنفسهم لممثليات المملكة الخارجية بعد التنسيق مع السلطات الرسمية في الخارج. وأشارت المصادر إلى أن عدد ممن عادوا من الخارج بعد مشاركتهم في مناطق الفتن والصراعات، وسلموا أنفسهم للسلطات الرسمية، تتم الإشارة إليهم بالمغرر بهم، وليست هناك جهات تطالب بسجنهم، وبالتالي تتم إحالتهم إلى مركز محمد بن نايف للمناصحة. وأضافت: «عندما عاد سعوديون كانوا في أفغانستان أخذوا بحسن النية في التعامل معهم، وأطلق سراحهم بعد التحقيق معهم، إلا أنهم أسسوا جماعات فكرية متطرفة داخل المملكة، وشنّوا عمليات إرهابية، وبعد مواجهتهم وتجفيف منابعهم، انتقلوا إلى مناطق الفتن والقتال في الخارج». ولفتت المصادر إلى أن سعودياً سلّم نفسه العام الماضي من وزيرستان، وتم التنسيق مع سفارة المملكة في باكستان لنقله إلى المملكة، وبعد التحقيق معه لم تثبت عليه أدلة، فأحيل إلى لجنة المناصحة، وأطلق سراحه بكفالة، ووردت معلومات أنه موجود في مناطق القتال على رغم أنه ممنوع من السفر. وعن مهلة العفو الملكي الأخير الذي يستمر 15 يوماً، قالت المصادر: «في الماضي كانت المسألة تقديرية، بحسب ما يتوافر من أدلة على الأفعال التي ارتكبها في مناطق القتال، وفي الغالب قليل من تثبت عليه مخالفات في الأنظمة، وفي السواد الأعظم يظهرون على أنهم مغرر بهم، إلا أنه بعد الأمر الملكي سيواجه كل من يخالف بالأمر الواقع». وعن عمل الجهات الأمنية بعد القرار الملكي، أشارت المصادر إلى أن السلطات الأمنية لم يتغيّر عليها شيء قبل النظام أو بعده، هي جهة تنفيذية تضبط كل من يخالف قبل الأمر الملكي، وتعمل وفق مدلولات اللجنة الوزارية الأربعة «الخارجية» و«الداخلية» و«العدل» و«الإسلامية والأوقاف»، إضافة إلى هيئة التحقيق والادعاء العام وديوان المظالم. يذكر أن القرار الملكي بشأن كل من يشارك في القتال بالخارج أو ينتمي إلى جماعات فكرية متطرفة، يأتي تأسيساً على قواعد الشرع بوضع الضمانات اللازمة لحفظ كيان الدولة من كل متجاوز للمنهج الدستوري المستقر عليه في المملكة، وانطلاقاً من الواجب نحو سد الذرائع المفضية لاستهداف المنهج الشرعي، التي تتخطى ضوابط الحرية في التبني المجرد للأفكار والاجتهادات إلى ممارسات عملية تخلّ بالنظام، وتستهدف الأمن والاستقرار والطمأنينة والسكينة العامة، وتلحق الضرر بمكانة المملكة عربياً وإسلامياً ودولياً وعلاقاتها مع الدول الأخرى، بما في ذلك التعرّض بالإساءة إليها ورموزها. وأكدت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، أن دورها في اللجنة المشكّلة من جهات عدة إعداد قائمة بالتيارات والجماعات الدينية والفكرية المتطرفة داخلياً، إلى جانب التأكيد على الجماعات المصنفة كمنظمات إرهابية داخلياً وإقليمياً ودولياً. وأوضح وكيل وزارة الشؤون الإسلامية الدكتور توفيق السديري لـ«الحياة» أن العمل لإعداد قائمة بالحركات المتطرفة بشكل دوري ومن ثم تقديمها إلى المقام السامي. وأشار السديري إلى أن الغرض من تشكيل لجنة مشتركة لإعداد قائمة بالجماعات المتطرفة لاجتثاث شأفة الفرقة والتطرف والغلو والحزبية المقيتة التي سرت في الوطن العربي في العقود المتأخرة، وأن يعود من انساق خلف هذه الأحزاب والتيارات من السعوديين إلى الصواب. وأضاف أن تصدي السعودية للحركات المتطرفة يأتي في المبادئ والقيم والوسطية المعتدلة التي قامت عليها، وارتكزت على الكتاب والسنة والقواعد الشرعية، التي هي الضمانة بعد الله لحفظ كيان الدولة والمجتمع من كل منحرف يريد خرق السفينة أو تدمير المجتمع، وحفظ النظام العام للبلاد، لاسيما وأنه قام على تآلف الحكومة والشعب بعد رحلة بناء وتوحيد عظيمة وشاقة لم يشهد التاريخ العربي والإسلامي مثلهما منذ قرون. وقال السديري أن السعودية في الوقت الراهن أحوج ما تكون إلى وضع النقاط على الحروف ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حييّ عن بينة. ...حظر «الجماعات الإرهابية» «منهج عالمي» < في الوقت المناسب جاء قرار وزارة الداخلية في تحديد المنظمات الإرهابية، التي طالما شكّلت تهديدات أمنية وخروقات ظاهرة في حقوق الإنسان بجميع أنحاء العالم وليس في الوطن العربي وحسب، في تعدد واضح للأساليب المُتخذة حيال التعامل معهم للحد من تشعبهم ونمو فكرهم الضال. تنظيم «الإخوان» في مصر، و«داعش»، و«حركة الجهاد»، و«أنصار الإسلام»، و«الحوثيين»، و«حزب الله»، و«الجماعة الإسلامية المقاتلة»، أسماء ارتبطت طويلاً بحلقات من العنف والقتل والجرم الذي لا يمت إلى الإسلام بصلة، وضعها هذا القرار على المحك الأخير في تحديد هويتها بشكل صريح أمام العالم الذي صدّق زيف ادعائها في الدفاع عن الدين الإسلامي، ترويجاً لها ومحاولة للبحث عن ضمان يدفعها للاستمرار. ولكن غالب دول العالم كانت اتخذت قرار تشتيت، شمل هذه المنظمات ووضعها ضمن قوائم تمنعها من مشروعية دخولها وبقائها على هيكلها السياسي. إذ استطاع عبدالناصر مواجهة إحدى الجماعات الإرهابية وأكبرها تنظيماً في مصر مواجهة أمنية قاسية وقوية، واستطاع كسب جموع الشعب بإجراءات اجتماعية واقتصادية حققت العدالة، ومواجهة فكرية من خلال الإسلام الوسطي بمدرسة الأزهر الشريف وشيوخه. بينما ترى أميركا أن أفغانستان كانت أول جولة في الحرب على الإرهاب، إذ استطاعت ضم العديد من الدول في صفها لكسب هذه الحرب، ونالت تأييداً كبيراً على عكس حربها في العراق، إذ كان المعارضون كثراً، وكيف تغيرت سياستها الخارجية بعد «11 سبتمبر»، واعتبارها عملية إرهابية. وفي المملكة المتحدة وُضع قانون عام 2000 على جميع أشكال الإرهاب، ويتناول هذا القانون حظر الجماعات الإرهابية في جميع أرجائها. وكان الأمر الملكي في السعودية وجّه بتشكيل لجنة من وزارات الداخلية، والخارجية، والشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، والعدل، ومن ديوان المظالم، وهيئة التحقيق والادعاء العام، تكون مهمتها إعداد قائمة - تُحدّث دورياً - بالتيارات والجماعات المشار إليها ورفعها للمقام السامي، للنظر في اعتمادها، إذ سيعاقب بالسجن وفق الأمر الملكي كل من ينتمي إلى التيارات أو الجماعات - وما في حكمها - الدينية أو الفكرية المتطرفة أو المصنفة منظمات إرهابية داخلياً أو إقليمياً أو دولياً، أو تأييدها أو تبني فكرها أو منهجها بأية صورة كانت، أو الإفصاح عن التعاطف معها بأية وسيلة كانت، أو تقديم أي من أشكال الدعم المادي أو المعنوي لها، أو التحريض على شيء من ذلك أو التشجيع عليه أو الترويج له بالقول أو الكتابة بأية طريقة. ... لا خوف من ردود الفعل والمهلة ليست جديدة على خلفية قرار وزارة الداخلية الصادر أول من أمس في السعودية الذي وضع حداً فاصلاً لمن كان يجول ويصول لينفذ أفكاره الضالة مستغلاً اسم الدين ومستثمراً اعتدال المجتمعات ليتمّ دحر فصائل الإرهاب وتجريم مداخله في قرار رادع ببنود مدروسة تصب في مصلحة الإنسان أولاً، أجمع خبراء أمنيون في السعودية أن أي رد فعل لهذه التيارات والمنظمات لن يكون في مصلحة أفرادها، وسيعود عليهم بالضرر في أن تطالهم عقوبات هذا القرار الحاسم، وأن المهلة التي منحها القرار مهلة تكميلية للمهلات السابقة لكل من التحق بأحد تلك التنظيمات. وأشاد مدير شرطة مكة المكرمة سابقاً اللواء يحيى الزايدي بهذا القرار وقال إنه جاء مبيناً وكاشفاً لجميع معطيات ومتطلبات هذه التنظيمات ومن يدخل فيها وأكد للعالم أنها كانت ضد الإنسانية وضد الأمن، فالقرار في مجمله يهدف إلى الحفاظ على أرواح الناس ويعطي من سلك طريق المنظمات الإرهابية فرصة العودة والتراجع حتى يؤكد أن قرارات المملكة جميعها تصب في مصلحة المواطن لا ضده. وأضاف الزيدي أن «الفرصة التي منحها هذا القرار للملتحقين بأي من هذه المنظمات فترة لمراجعة النفس أن هناك خطوط حمراء لا يجب تجاوزها أمنياً وقانونياً، ويجب أخذ الحذر والحيطة ممنن يحرض أو يمول هذه الجماعات، وأن هناك قرارات حازمة لا تسمح بأي من هذه الأعمال». ونادى بالتركيز على جميع فئات المجتمع ابتداء من الأسرة عند ملاحظته أن أحد أفرادها لديه نزعات غريبة أو تعصبية تجاه إحدى هذه الجماعات، فعليه التواصل مع الجهات المختصة حتى يتم علاجه فكرياً قبل أن يندرج تحت لائحة العقوبات. وشدد الزايدي على أن أي رد فعل من هذه المنظمات الإرهابية يضر بهم في المقام الأول، لأن أي عمل لا يستند على خلفية شرعية أو قانونية سيطاله هذا القرار بالعقوبات الرادعة، وأشاد بإمكانات وزارة الداخلية الكبيرة من ناحية قدرتها على كشف ومعرفة الأيدي الخفية المحركة لبعض هذه المنظمات الإرهابية. بينما أشاد المستشار الأمني اللواء المتقاعد مساعد العتيبي بالقرار، مبيناً أن من لا يلتزم به سيكون عرضة للعقاب، وقال: «قرار أشُد على يد كل من تبناه وأيده وفعّله في وقت باتت هذه المنظمات ظاهرة النوايا والرغبات في عالم تموج به التوترات، ولا يمكن أن نحافظ على أمن البلاد إلا بالضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه التعدي على أمن الوطن أو وحدته». وحذّر العتيبي من أن أي رد فعل لهذا القرار سيدرج ضمن قائمة الأفعال المجرمة وسيطالها العقاب لا محالة، وأن المهلة المبينة في القرار سبقتها مهلات كثيرة لهؤلاء الخارجين عن الأمر في أن يستشعروا مسؤوليتهم تجاه أنفسهم وأسرهم للتراجع والعودة عن الفكر الضال. وحول هذا القرار يرى الباحث والمتخصص في العلوم الشرعية الدكتور عبدالله الشريف أن هذه التنظيمات من جماعة الإخوان أو «داعش» أو «النصرة» أو «بيت المقدس» بداهة أنها جماعات متأسلمة تنتهج العنف ضد المسلمين في مكان، لهذا اعتبارها جماعات إرهابية محصلة لأفعالها وليس تجنياً عليها. ويؤكد الشريف أنها تنتهج عنفاً واضحاً تجاه البلدان التي مارست فيها العمل، ويقتل بسببها أفراد من الشعوب الإسلامية ليس لهم ذنب سوى أنهم وجدوا في المكان الذي وجدت فيه هذه الجماعات. وأضاف: «إن اعتبارها جماعة إرهابية له فائدة كبيرة في المحاسبة عندما يقبض عليهم، لهذا أرى أن القرار كان قراراً حكيماً لأنه ينبع عن واقع الجماعات، وأنها لم تدعُ يوماً إلى الإسلام بالشكل الصحيح، وأن الكثير منهم يتعللون ويلبسون لباس الدين للوصول إلى أهدافهم الشخصية مثل جماعة الإخوان في حربهم للوصول إلى الحكم حتى لو ذهبت الأرواح والأموال، لهذا فإن أهدافهم لا دخل للإسلام بها. واختتم الشريف أن الجماعات التي تمارس العنف لا تتوقف إلا بعنف أقوى منها، وأما غير هذا من وسائل المناصحة والمجادلة فإنها لا تصل معهم إلى حلول ظاهرة، لأنهم يعودون كما كانوا بعد معسكرات المناصحة، ولا بد من المعالجة الفكرية بشكل ظاهر في المعتقلات والسجون وإيصال فكرة أن جميع ما يقومون به لا يمت للإسلام بصلة. داعشالإخوانأوامر ملكية