بنيت الولايات المتحدة على طموحات إنسانية. ولا عجب، فكثير من سكانها وفدوا إليها هروبًا من الظلم والاستبداد وتطلعًا للحرية. وهو ما تجسم في ذلك التمثال المهيب الذي يلتقيهم حال اقترابهم من الساحل الأميركي «تمثال الحرية»، ماسكًا بكتاب، رمز المعرفة، وماسكًا بشعلة باليد الأخرى، رمز حرية الفكر. وهكذا فكثير من رؤساء الولايات المتحدة تميزوا بالمثالية. هكذا كان جيفرسون وأبراهام لينكولن وجون كيندي وكارتر وودرو ولسن. وكنا نتوقع أن يكون باراك أوباما ضمن هذه الفصيلة، ولكن رئاسته خيبت آمالنا. ارتبط اسم وودرو ولسن بالنقاط الأربع عشرة، التي تضمنت حق تقرير المصير. أصبحت هذه النقاط كابوسًا على الإمبرياليين، ولا سيما كليمنصو، رئيس الحكومة الفرنسية الذي قال عنها إن الله تعالى أنزل الوصايا العشر، ولكن ولسن لم يكتفِ بذلك فزاد عليها وبشر بأربع عشرة نقطة! وعندما رجع لويد جورج، رئيس الحكومة البريطانية من مؤتمر فرساي هاجمته المعارضة على تقصيره فيما حصل عليه. فرد عليهم وقال: ماذا أفعل، وأنا جالس بين ولسن من جانب وكليمنصو من الجانب الآخر؟! ولكن الرئيس ولسن تميز أيضًا بروح فكاهة وسخرية بارعة. وعندما وصل إليه خبر وفاة محافظ ولاية نيوجيرسي، انهالت عليه طلبات الزعماء الانتهازيين، كل منهم يطرح نفسه لملء هذا المنصب. كان منهم زميل ألح عليه وسأله ما إذا كان له أي اعتراض ضده، فأجابه ولسن: «أنا شخصيًا لا اعتراض عندي على أن تحل محله، ولكن سيكون عليك إقناع الحانوتي بذلك أولاً!». اشتبك الرئيس الأميركي بنزاع مرير مع الحكومة الإيطالية التي سعت لابتلاع ليبيا وما سواها لأجزاء من أفريقيا وأوروبا. حاول أورلاندو، رئيس الحكومة الإيطالية، الادعاء بضم منطقة فيوم على أساس أن أكثر سكانها إيطاليون وليسوا نمساويين. فرد عليه ولسن وقال: إذا كان الأمر كذلك، فسيكون بإمكانكم الادعاء بنيويورك وضمها لإيطاليا، نظرًا لأن أكثر سكان منطقة مانهاتن إيطاليون. وحاول المندوب الإيطالي أن يداهن مشاعر الرئيس ولسن فقال له: يا سيدي لا تقلق من ضم منطقة فيوم لإيطاليا. فلن يعبأ أعضاء مجلس الشيوخ عندكم بهذا الأمر. أجابه ولسن قائلاً: سيكون عليهم أن يكتشفوا أولاً أين تقع منطقة فيوم. كان الرئيس وودرو ولسن من أكثر السياسيين عمومًا في تطلعاته لعالم واحد يسوده العدل والسلام والوئام. وهو ما حمل بريطانيا في الواقع إلى إقامة عصبة الأمم. وقد سعى ولسن إلى ضم الولايات المتحدة إلى هذه المنظمة. بيد أن الحزب الجمهوري عارض ذلك بشدة. انبرى السيناتور هنري كابوت لوج، ممثل ولاية ماساتشوستس لمهاجمة الفكرة بكل عنف. ونجح الأخير في منع الولايات المتحدة من الانضمام لعصبة الأمم. وكان ذلك جارحًا جدًا لأماني الرئيس ولسن، فقال إن كلام ممثل ولاية ماساتشوستس يحمل عقلية تشابه المنطقة التي يمثلها في المجلس، قاحلة تمامًا بطبيعتها وفقيرة بسبب كثرة الإفراط في حرثها.