الدمام-هيا السهلي في أغسطس/آب الماضي وفي إحدى إدارات شركة أرامكو السعودية، نادى رئيس قسم التدريب بالأمن الصناعي عبدالعزيز الغامدي بعض الموظفين عبر أرقامهم الوظيفية، وطلب من يسمع اسمه أن يخرج، وعقب النداء على أكثر من 16 رقما لم يخرج أحد. اخترق الغامدي صمتهم وقال "إن هذه الأرقام تخص موظفين ماتوا في حوادث مرورية، ولم تتجاوز أعمارهم الثلاثين". فقصص الحوادث المرورية في السعودية ومآسيها أكثر من أرقامها، فلا يكاد بيت يخلو من مصائبها فمن نجا من الموت لم ينج من الإعاقة، ومن نجا من الإعاقة لم يسلم من كسر وجرح وخسائر بالمال. شباب وشيبة ونساء وأطفال ماتوا ودفنوا تحت الأرض، وآخرون مثلهم فوق الأرض في غيبوبة لا يشعرون بتعاقب الليل والنهار عليهم. فهذا عبد العزيز وتركي صديقان ترافقا في طريق العودة من مدينة الدمام إلى مدينة الرياض ولم ترافقهما السلامة، توفيا مباشرة في موقع الحادث ولم تبق لهم السيارة ملامح، لكن حسرة شديدة بقيت في قلبَي أم عبد العزيز وأم تركي اللتين لم تتمكنا من تقبيل ابنيهما قبلة الوداع. حملات وبرغم ما تشهده السعودية من حملات وخطط توعية للتحذير من حوادث الطرق مازالت البلاد تتصدر المعدلات العالمية في الوفيات والإصابات حيث تقدر بأكثر من سبعة آلاف حالة وفاة سنويا. ووفقا لإحصائيات الإدارة العامة للمرور تسجل السعودية ست إصابات لكل ثمانية حوادث في المملكة، بينما النسبة العالمية إصابة لكل ثمانية حوادث. 4.7%فاقد الناتج الوطني بسبب الحوادث المرورية بالسعودية (الجزيرة) ويقدر فاقد الناتج الوطني بسبب حوادث المرور في السعودية بـ 4.7%، بينما لا يتجاوز نسبة 1.7% في كل من أستراليا وإنجلترا وأميركا. أرقام الضحايا البشرية للحوادث والخسائر المادية التي بلغت أكثر من ٥.٦ مليارات دولار سنويا أصبحت تشكل خطرا يستوجب المواجهة من كافة مؤسسات المجتمع، وفق مراقبين. ولأجل ذلك قامت لجنة السلامة المرورية بالمنطقة الشرقية ممثلة في برنامج السلامة المرورية بأرامكو السعودية -بالتواصل مع كلية العمارة والتخطيط بجامعة الدمام- بإنشاء الجمعية السعودية للسلامة المرورية (سلامة). وتسعى الجمعية -وهي علمية- إلى التواصل مع كل الجهات الفاعلة من الجهات الحكومية والقطاعات الأخرى مثل شركة أرامكو ومؤسسات أهلية وشخصيات عامة ورجال أعمال وذوي الخبرة في مجال السلامة المرورية، لأجل التخفيف من هذه المعاناة. ويقول المهندس سلطان الزهراني نائب رئيس جمعية "سلامة" إنها تهدف لتنمية الفكر العلمي في مجال السلامة المرورية والتواصل بين المهتمين في هذا المجال. وتنظم "سلامة" أنشطة كثيرة في مجال تطوير الأنظمة والقوانين والإجراءات المتعلقة بالسلامة وتطبيقاتها مع الجهات المعنية، كما تجري البحوث والاستشارات العلمية المتعلقة بذلك. قصور ويؤكد نائب رئيس جمعية "سلامة" -في حديث لـالجزيرة نت- أن هناك قصورا في مفهوم السلامة المرورية من قبل الجهات المعنية على مستوى المملكة، ويقول إن الطرق والشوارع مازالت بحاجة إلى توفر وسائل السلامة. الزهراني: تأخر إطلاق الخطة الوطنية للسلامة المرورية يفاقم مشكلة الحوادث (لجزيرة) ويضيف الزهراني أن "قوانين الضبط مازالت ضعيفة وتحتاج إلى تشريعات تشدد من المخالفات التي تؤثر على السلامة المرورية كالسرعة وعدم ربط الحزام وعكس السير واستخدام الكتف". ويرى أن على وزارة التعليم تبني خطة لجعل السلامة المرورية من أولوياتها، وتثقيف النشء ابتداء من مراحل التمهيدي والروضة وحتى الثانوي. وقبل عامين، اعتمدت السعودية إستراتيجية وطنية للسلامة المرورية أعدتها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بمشاركة أرامكو ولجنة السلامة المرورية بالمنطقة الشرقية والمرور ووزارة التخطيط والقطاع الخاص. وتعتمد الإستراتيجية على خطة لمدة عشر سنوات لخفض الحوادث المرورية بنسبة ٥٠%، ويتوقع أن توفر أكثر من ثمانين مليار دولار خلال عشر سنوات، لكن الخطة مازالت حبيسة الأدراج، ما جعل الزهراني يعتقد أن تأخير إطلاقها يحمل في طياته مسؤولية كبيرة عن الحوادث.