البعض منا يحب أن يستعمل المُنبه عندما تُضيء الإشارة أخضر ، حتى لو كانت تفصله عنها خمسين وحتى مائة متر. والذي أمامه أشد منه حرصاً على السير، وجميع من هم بجواره أيضاً حريصون على الوصول إلى مقاصدهم، ولا أرى داعياً لاستعمال المنبه. ولا يبدو لى أي تفسير لتلك الممارسة إلا العجلة من أمرنا في كل شيء. ومن عادتي أن أشير بيدي اليسرى بما يعني علامة الاستفهام وكأنني أقول لمن ورائي يضغط على المنبه، بأنني مثلك أمامي سيارة، وأنني على عجلة مثلك، وأنني لا أملك فتح الإشارة. في كل بلدان العالم يستهجن المارون استعمال المنبّه، وينظرون إلى السيارة بازدراء وإلى راكبيها بالهزء، لأنه لا يُستعمل إلا في الطوارئ وطلب النجدة من المارة. مستعملو الطرق عندنا لهم عادات غريبة وأغلبها ناتجة عن العجلة. والدليل أننا ألفنا أمثالاً وأقوالاً مأثورة عن العجلة في كل أمورنا. فقلنا مثلا: كم قعدت ببطن أمّك. هذا المثل دعوة للصبر، وكأنك تقول لمستمعك: "اصبر شوي". وعادة يسمعه الذي يلح في إنجاز حاجة تحتاج إلى قدر من التأني. وفي الإنجليزية مفردة Patient ولو فحصنا المفردة الإنجليزية PATIENT تعني "صبوراً" أو "صابراً" أو حليماً أو طويل الأناة. لكنها أيضاً تعني المريض الخاضع للمعالجة الطبية أو الجراحية، أو حتى زبائن وزبونات محلات التجميل والعيادات الجلدية. لاحظوا أن المريض والصابر يحملان ذات المفردة نطقاً وتهجئة. وقد دخلت الإنجليزية بهذا الشكل والنطق منذ العام 1320م. وتطول قائمة الأمثال التي تحث على الصبر، وقبل هذا آيات التنزيل الحكيم. ومع تضارب الحاجات وكثرتها أوجدوا طريقة تجعل المنتظرين يصبرون رغماً عنهم، ففكروا في تركيب الحواجز الحديدية ذات المسار الملتوي لجعل الاصطفاف عملاً إجبارياً، وخلق الأرتال "الطوابير" في المصالح ذات العلاقة بخدمات الجمهور. ومن أراد التأكد فليذهب إلى قسم استلام الخادمات في مطار الملك خالد في الرياض. فسوف يجد ممرات مسوّرة بنوعية جيدة من الحديد التي تجعل المراجع لا يجد بداً من الدوران حولها. وفي البلدان الأخرى تجد لوحة صغيرة منمقة كتبوا عليها Q here وهي طريقة كانت موجودة في غالبية البلدان. وتختفي في بريطانيا لأنه لا يوجد طوابير إلا أمام شباك تذاكر السينما. وتدخلت العقول الصناعية فاستعاضت عن الحديد أو الطابور بمكائن صغيرة إليكترونية هي مكائن إصدار الأرقام "ميزتها انها لا تعرف الرجال" فبلمسة زر تصدر رقم انتظار.. يظهر مثيله على شاشة. وجرى تسويقها عندنا في الشرق - في رأيي - أكثر منه في الغرب. والكلمة QUEUE معروفة منذ العام 15الميلادي على انها ذيل حيوان. ولم يجر استعمالها بالإنجليزية لتدل على طابور الانتظار إلا في العام 1927م. وعُرف عن الزعيم البريطاني تشرتشل انه أول من اختار كلمة QUEUETOPIA. أي العقدة من طوابير الانتظار كي يصف حال البريطانيين تحت الحكم العمالي.