أحيت الحرب التي تشنها القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية والميليشيات الطائفية المتحالفة معها آمال الأكراد العراقيين بتحقيق حلمهم في الاستقلال، لكن ابتعاد حكومة إقليم كردستان عن بغداد في السنوات الأخيرة، سمح لقوات البيشمركة الكردية باستباحة القرى العربية، والقيام بعملية تطهير عرقي واسعة النطاق، ومحاولة إحداث تغيير ديموغرافي جذري في الشمال العراقي لتحقيق هدفهم المنشود على حساب العرب وحقوقهم في أرضهم ووطنهم وممتلكاتهم، حيث استغل الأكراد استقرار منطقتهم النسبي وعائدات النفط، إلى جانب دورهم في القتال ضد داعش في توسيع المناطق الخاضعة لهم، خصوصاً في محافظتي كركوك والموصل، لا سيما أن كركوك تمثل منطقة غنية بالنفط، وظلت منطقة متنازعاً عليها بين بغداد وأربيل إلى أن سيطر عليها الأكراد بعد هروب الجيش العراقي أمام التقدم السريع لتنظيم داعش في عام 2014، وأصبحت تمثل الآن خطاً أمامياً حاسماً في المعركة المفترضة من أجل ما يسمى الاستقلال الكردي. ففي رحلة بسيطة إلى الخطوط الأمامية للحرب المستعرة في الشمال العراقي، يبدو كأن رياحاً عاتية قد عصفت بالمكان، لتلقي بمنزل تلو الآخر على أحد جوانبه، فيما الحقول والحدائق التي غذت القرى ذات الأغلبية العربية متفحمة بالسواد. يقول شهود عيان، ومنهم بعض عمال الإغاثة، ودبلوماسي أوروبي، وسكان المناطق المتأثرة الخائفون، إن البيشمركة الكردية، لديها أجندة تتجاوز قتال تنظيم داعش، حيث تشتمل على: تأسيس حدود الدولة الكردية المستقبلية وطرد العرب. وتحدث دبلوماسي أوروبي، زار تلك المنطقة مؤخراً، عن تدمير متعمد وممنهج للممتلكات العربية على يد البيشمركة مقابل مبررات أمنية واهية للغاية. لا يمثل الأمر مجرد عقاب جماعي على ما اعتبر دعماً لداعش، وتابع الدبلوماسي: إنه تطهير عرقي بالجملة.. إن تطلعت إلى ذلك عبر الخريطة الأوسع لكردستان، يمكنك توقع أي القرى ستسقط بعد ذلك، حيث سيقيمون المنطقة العازلة ثم سيتوقفون. وقال أحد عمال الإغاثة الذين يعملون بين أربيل وكركوك إنه شهد ما يكفي من السلوكات الفاضحة من قبل البيشمركة لتبرير إجراء تحقيق جاد من قبل داعمي هذه القوات، من وجهة نظري، لا يعرف أي من تلك الدول المصير النهائي لأسلحتهم. يرى العامل والسكان أن الدليل على ذلك يكمن في القرى المدمرة والفارغة المتناثرة بطول خط المواجهة بين أربيل والموصل والشقق المهجورة في كركوك. ورغم نفي سلطات القيم كردستان، إلا أن تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية فضح الجرائم والانتهاكات الكردية بحق العرب. ففي تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر في نوفمبر الحالي، تقول المنظمة إن قوات البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان أقدمت على تدمير عدد كبير من منازل العرب، وفي بعض الأحيان قرى بأكملها في مناطق انتزعتها من قبضة تنظيم داعش شمالي البلاد خلال العامين الماضيين. وقال نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة جو ستورك إن القوات الكردية دمرت منازل العرب، قرية تلو الأخرى في كركوك ونينوى من دون أي هدف عسكري مشروع، لكن حافظت على منازل الأكراد. وكانت منظمة العفو الدولية قد قالت في تقرير أصدرته الأسبوع الماضي إن القوات الكردية أقدمت على تدمير منازل مئات العرب وترحيلهم من مدينة كركوك، فيما يبدو أنها عمليات انتقامية رداً على هجوم شنه داعش في الآونة الأخيرة. وقالت المنظمة إن قوات البيشمركة وميليشيات في شمالي العراق دمرت آلاف المنازل في سياق محاولة منظمة لإزالة قرى وتجمعات عربية من المنطقة. وذكر تقرير المنظمة الحقوقية إن ذلك جاء انتقاماً مما يعتقدون أنه دعم قدمه هؤلاء للتنظيم الذي يطلق على نفسه اسم داعش. وشددت منظمة العفو الدولية على أن القوات الحكومية في إقليم كردستان قد تكون ارتكبت جرائم حرب في المناطق التي استعادتها من التنظيم. وأوضحت أن هذه الاكتشافات قد عززت بصور الأقمار الاصطناعية التي تظهر أدلة على تدمير واسع النطاق ولم ترد السلطات في الإقليم بعد على اتهامات هذه المنظمة الحقوقية.