الفصل الرابع (وداعًا سوريا) يشرح الكاتب في هذا الفصل، الأسباب الاقتصادية التي أصابت الدولة البيزنطية في حروبها مع الفرس، مما جعلها غير قادرة على مواجهة الفتوحات العربية، بالإضافة إلى أن البيزنطيين لم يدركوا في وطيس معاركهم مع الفرس أن ثمة تغير جذري في التنظيم السياسي والديني بدأ يتكون في داخل شبه الجزيرة العربية، وهذا التغير يبحث عن حيز في هذا العالم لإثبات وجوده. إنّ الخلافات الداخلية بين البيزنطيين، والتعالي البيزنطي على العرب، وعدم إدراكهم لقدرات العرب العسكرية الجديدة، بالإضافة إلى وجود روابط نسب وقرابة بين العرب الموالين للروم والآخرين المشاركين في قوات الفتح، مم ا شجع هؤلاء على نقل ولائهم إلى بني جلدتهم، كل هذه العوامل جعلت الدولة البيزنطية تنتهي في سوريا. وبذلك، لم تمثل الهزيمة في سوريا نهاية الحكم البيزنطي فحسب، بل نهاية الدور المسيحي بدوره السياسي والثقافي المؤثر في الشرق إلى الأبد. الفصل الخامس (الشيطان يستعبد مصر) في هذا الفصل يذكر الكاتب عدة روايات متناقضة ومختلفة عن سقوط مصر، فهل فتحت الإسكندرية مرة أو مرتين؟ وهل يعتبر تعاون المصريين مع جيش المسلمين سببًا كافيًا للحكم بأن مصر فتحت صلحًا وليس حربًا؟ وهل أحرق العرب مكتبة الإسكندرية أم أنهم أبرياء من هذه الجريرة؟ فمن يتتبع الروايات العربية وكذلك روايات المستشرقين، يدرك أنه ليس هناك دقة تاريخية للأحداث، والكتاب لا يحاول أن يبحث عن الحقيقة، بل يسرد للقارئ ماذا يقرأ الآخرون عن هذه المرحلة التاريخية، وكيف يبنون من خلالها تصوراتهم عن العرب وتاريخهم. الفصل السادس (إيران: عصر الغصن الحديد) يؤكّد الكاتب في هذا الفصل بصعوبة الكتابة عن هذه المرحلة التاريخية لشح المصادر والمراجع، وتُسمى المرحلة التي سبقت الفتح العربي وأعقبته مباشرة ب (قرنان من السكوت). إنّ الحالة في إيران مختلفة جذريًا عنها في مصر وسوريا، فلقد كانت هناك عدة عوامل جعلت من العسير على الإيرانيين أن يكونوا مجرد تابعين لحكم أجنبي، فالدولة الإيرانية ضاربة جذورها في تاريخ البلاد والعلاقات الاجتماعية الاقتصادية، بوجود حكم قوي إلى جانب الثقافة والهوية الوطنية، كما أنّ تكوينها الديني كان قوميًا، وذو تقارب ديني سياسي، حيث تتشابك مؤسساته الدينية مع مؤسسات الدولة. لذلك كان المجتمع الإيراني في حالة صدمة كبرى، لانهيار دولته على يد من يرى أنهم أقل منهم شأنًا ورقيًا. كل هذه العوامل دفعت الإيرانيين لمحاولة مقاومة هذه الثقافة الجديدة، وإبقاء ثقافتهم بإحداث تغييرات وتفسيرات لهذا الدين الجديد، والإلحاح على تقدم الفرس على العرب في الإيمان من خلال تبني أحاديث نبوية، وكذلك إبراز شخصيات فارسية كدور الصحابي سلمان الفارسي. الفصل السابع (إلى الصين ومنها) يتحدث الكاتب عن صعوبة نشر الإسلام في هذه المنطقة، فلقد أسلموا ثلاث مرات ثم عادوا وارتدوا، كما أن بخارى وسمرقند قاومت الفتح العربي بشراسة غير معهودة، وذلك بسبب الروح القومية العالية، والأسباب الاقتصادية الممانعة لإقامة علاقات مع العرب. الفصل الثامن (هل الفتوحات مؤامرة يهودية؟) يشير الكاتب في هذا الفصل، أن المؤرّخين والسياسيين في ذلك الوقت، لم يكن لهم أن يتخيلوا أن العرب - الذين في أعينهم ليسوا إلا رعاة الماعز والإبل- قادرين على تحدي إمبراطوريتين عظيمتين، ومواجهتهما عسكريًا ودينيًا. فلا بد أنّ جهة ما دفعتهم إلى غزو البلدان المجاورة للجزيرة العربية، وزوّدتهم بالبعد الديني الإيدولوجي. فلا بدّ أنّ اليهود الذين عرفوا - آنذاك- بأنهم عدو المسيحية الأزلي، وعرفوا بتطاولهم على الرموز الدينية والإدعاءات المناقضة للثوابت السائدة، أنهم من دفع العرب لهذه الفتوحات، على رجاء أن يتخلصوا من الاضطهاد البيزنطي لهم. ختامًا، يتحدث الكاتب عن المصادر والمراجع العربية آنذاك، إذ تُعتبر أقرب إلى الخيال والأعمال الأدبية، وليست سردًا وثائقيًا بمفهوم حديث. كما أنّ الحذف والإضافة على متن النص لا يعتبر عمل تزوير كما هو شائع اليوم. ويؤكد الكاتب على ضرورة مراجعة كتب المستشرقين وآرائهم، والبُعد عن تقديس التاريخ. كما لا يتفق مع نظرية إدوارد سعيد في الاستشراق، التي يقول فيها سعيد أن الغرب ابتدع الصورة النمطية للشرق العربي المسلم لتبرير مشروعه الإمبريالي. إذ يعتقد الكاتب العكس، أنّ الثقافات غير الإسلامية التي واجهت الفتوحات العربية لم تبخل على العرب وعلى الإسلام بأوصاف -تحاشى الكاتب ذكرها- منذ مئات السنين. لذلك يكون المشروع الإمبريالي الذي قادته أوروبا ومن ثم الولايات المتحدة قد استخدم أجواء الفتح العربي والردود عليه، أكثر من اختراع صورة نمطية صاغها مستشرقون يعملون لصالح دولهم. - د. الهنوف الدغيشم