×
محافظة المنطقة الشرقية

هكذا رأيت أبي.. فسكنوا ذاكرتي الأحبة!..

صورة الخبر

هل يكبر الأديب على أعماله، إذا اعتبرنا أن العمل الأدبي مثل الكائن الحي، أي أنه يمر بمراحل الخلق الثلاثة من ميلاد وطفولة ومراهقة ونضج، أم أن ايديولوجية الأديب وقناعاته قابلة للإحلال والانزياح بفعل متغيرات هي من لوازم الأديب الشخصية أو الاجتماعية والأخلاقية والدنيية؟ أم أن عملية الخلق والتخلق للقصيدة، وهي في الرحم عبر مسيرة النمو منه ما يواصل نموها ويخرج الى الحياة، وأجنة اخرى تجهض لأسباب لا يفصح عنه آباء القصائد، وفئة أخرى تعلن التبرئة منه، وبذلك تحرم تلك القصائد من نسب قائلها. تخلى نزار قباني الشاعر السوري عن ديوانه الأول "طفولة نهد" بسبب عدم تجاوب المجتمع السوري المحافظ مع قصائده، كما كتب الشاعر السوداني الراحل محجوب شريف في جريدة الصحافة السودانية طالبا من الفنان صلاح مصطفى أن لا يغني أغنية "الغائب" لأنها لم تعد تعبر عن نفسه، وكذلك قال لحمد الريح إن قصيدة "اناديللك بعدد خيوط مناديلك" ركيكة وهايفة وتعبانة ويا حبذا لو كف عن غنائها. •سجل انا عربي ذلك المقطع من قصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش كتبه وهو واقف في طابور أظنه طويل من أجل استخراج بطاقة، وجاءه مطلع القصيدة عندما سئل عن اسمه: سجل أنا عربي أنا اسم بلا لقبِ وأطفالي ثمانية وتاسعهم سيأتي بعد صيف فهل ترضيك منزلتي سجل برأس الصفحة الاولى إلى آخر القصيدة، وأخذت هذه القصيدة الثورية مكانا شاسعا على خريطة الشعر العربي بصيغتها التهكمية، ولكن عندما أراد درويش أن يطبع ديوانه تخلى عنها بسبب قافيتها، ولكن الناشر أصر عليها لما لها من شهرة وشعبية واستجاب هو لتلك الغاية. وتبقى هذه الظاهرة، سلوك فردي يخص كل كاتب وفق سياقها الاجتماعي والإبداعي، وهو فعل ثقافي مضاد يحدث عندما تتخلل بنية الكاتب الفكرية بفعل ما يجعله، يرى تلك الأعمال دون مستوى النضج، لذا يتخلى عنه مؤسسا لمرحلة جديدة من الكتابة يراها أكثر نضجا. وهاهو ذا الشاعر ادريس جماع يقول في مقدمة ديوانه "لحظات باقية" إن بعض نظم الحداثة من محاولات الحداثة كانت تجد احتراما، ولكنه يراه دون ما يريد، لذا لم يدرجه في مجموعته الشعرية ولم يمنعه النسبة الى شعرها. الإهمال يكاد يقارب الإعدام المعنوي للآثار الأدبية، وقد اعتذر عضو مجلس الشيوخ وعضو مجلس السيادة في حقبة الاستقلال الشاعر أحمد محمد صالح الى قارئي ديوانه "مع الأحرار" مقدما إفادته عن تجاربه الشعرية قائلا: كنت ألقيها حيث أكون لتذهب مع الريح أو يستعيرها بعض الاصدقاء فلا يردونها، وكنت أنشر بعضها في الصحف السيارة أهملها. وقد كتب الشاعر العراقى بدر شاكر السياب قصيدة "ثورة الرابع عشر من رمضان" اثر سماعه نبأ الثورة، وأشار اليه صديقه مؤيد العبدالواحد في إهمال السياب للقصيدة لأنه يراها دون المستوى، ولكن مع ذلك رأت النور. بنوة القصيدة كما الأسماء يمنحها أحيانا بعض من شهد ميلاد تلك القصائد. •كم من بداية فاقت نهاية سؤالي للشاعر الشاب محمد سالم ربما باغته به فهو لا يزال شابا في خيمة الشعر. إن محمدا يرى أن النصوص الشعرية أو لابداعية الأولى تكون من صادق تجربة الشاعر البسيطة، وأن أمر التخلي عنها أو عدم تقديمها للقاريء يعود الى عدم ثقة الشاعر في لغته وتقنيته التجريبية التي بدء بها الكتابة، فالنصوص الأولى دائما ما تكون غير جيدة اللغة مقارنة مع رفيقاتها اللائي جئن بنفس القلم، ولكن بعد اطلاع وتجريب طويل. أعتقد أن شعر البدايات عميق الفكرة، ولكن يخونه التعبير اللغوي التصويري ويفترض عرضه في منابر النقد لمعرفة ما كان وما تم الوصول إليه وكم من بداية فاقت نهاية. حول سؤالنا للشاعر والروائي أحمد فضل شبلول قال إن درويش كان يقلد نزار قباني في بدايته لذلك تخلى عن ديوانه الأول "عاشق من فلسطين". أعاد تلك الظاهرة الى السطح الشاعر عاطف خيري قبل فترة عندما أعلن التخلي ليس عن أعماله الأولى فحسب بل من كل شعره. أرجع البعض ذلك الفعل إلى اتباع عاطف إلى جماعة ما او انه بات متطرف في فكره أو انه اراد ان يعيد نفسه الى واجهة الإعلام، ويتسيد الساحة الثقافية، خاصة أنه شاعر ناضج وقصائده قد بلغت سن الرشد. أتراه يعاني مراهقة القوافي، لا أعرف! وتبقى هذه الظاهرة رهينة فعل الشاعر على طول مشواره الشعري، ويظل الشعر ملك اذان الناس وان فقد بنوته البيولوجية.