أهل قطر إخوتنا وأبناء عمومتنا، والروابط التي تجمعنا بهم أكبر من كل تقلبات السياسة، ولكن ليس صحيحا أبدا الترويج لفكرة أن الخلاف بين الحكومات الخليجية لا يلقي بآثاره على العلاقات بين الشعوب، فمجلس التعاون كان منذ البدء تجمعا للحكام نتج عنه هذا الكيان المبارك الذي استفاد منه مواطنو الدول الست بشكل أو بآخر. لذلك، فإن القول بأن الخلاف السياسي الحالي بين 3 دول خليجية من جهة، وقطر من جهة أخرى، لن يكون له أثره على العلاقات بين الشعوب هو قول مثالي جدا، ولا يتوافق أبدا مع حقيقة أن الحكومات هي وحدها التي تملك القرار السياسي والاقتصادي، وهي التي تستطيع إعادة بناء العلاقات بين الشعوب، هذا هو الأمر الواقع، ومن هنا فإن أي محاولة للتهوين من الإجراءات التي اتخذتها السعودية والإمارات والبحرين سوف تقود إلى نتيجة عكسية، فتزداد حدة الشرخ مع مرور الأيام ليصعب علاجه، كما أن الأطروحات التي تحاول أن تفصل بين الحكام والمحكومين في دول الخليج جديدة علينا ومنفصلة عن واقعنا، وهي ــ في حقيقة الأمر ــ جزء من المشكلة أكثر من كونها حلا. وبخلاف محاولات (التهوين) وتجاهل الخطر الذي يمكن أن يترتب على هذا الشرخ الجديد في منظومة مجلس التعاون، ظهر اتجاه آخر يعتمد على تقنية (الردح) المتبادل والمزايدات الفارغة التي تفرق أكثر مما تجمع، فحين يتعلق الأمر بخيمتنا الخليجية، فإننا نتحدث عن مصلحتنا المشتركة ومستقبلنا ومستقبل أولادنا في منطقة تحيط بها العواصف العاتية من كل جانب، وثمة قوى كثيرة تسعى في الخفاء والعلن كي تصل هذه الرياح إلى دول الخليج، فندخل في لعبة التشرذم والانقسامات الداخلية الخطيرة والصراعات الدموية التي لا تبقي ولا تذر. بالتأكيد، من حق قطر أن تتخذ المواقف السياسية التي تخدم تطلعاتها، ولكن ــ في الوقت ذاته ــ من حق دول الخليج أن تدافع عن كياناتها وتواجه محاولات ضرب الوحدة الداخلية وإثارة القلاقل وإذكاء نار الفتنة الطائفية وتمهيد الأجواء لمخططات التقسيم التي ضربت الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، بل حكام الخليج أمامهم مسؤولية تاريخية لحماية بلدانهم من هذه النيران المستعرة التي تشتعل في كل الدول التي تحيط بها، ونحن ــ بالطبع ــ لن ننجو من هذه الحرائق ما لم تتخذ دولنا الخليجية إجراءات استباقية لحماية أمنها وسلمها الاجتماعي. نتمنى، بصدق، أن تتجاوز دول الخليج هذه الأزمة السياسية المعقدة مع قطر الشقيقة، كما نتمنى من القائمين على صناعة القرار في الدوحة أن لا ينساقوا خلف أطراف لا يهمها مصلحة دول الخليج ولا يعنيها استقرارنا من بعيد أو قريب، وأن يتذكروا دائما أن دول الخليج هي الحليف الحقيقي لقطر، ولا تستحق أن توضع على قوائم المخططات التي صنعها في الأساس أعداء هذه الأمة، قطر منا ونحن منها.. وحين يأتي وقت الشدائد لن تجد غيرنا يقف إلى جانبها في اليوم العصيب، وسيفر عشاق الريالات من المنظرين على أول طائرة تغادر الدوحة؛ لذلك فإن (حلحلة) هذه الأزمة يصب في مصلحة الجميع، وأولهم قطر!. عكاظ