يزورُنا ذلك الطيف الغائب الحاضر دائماً على مائدة الأفكار المجنونة، نعم المجنونة، فمن ينادي بالتغيير ووقف شلال النهب العام أضحى مجنوناً ومعارضاً غير منتمٍ، ومعدوم الولاء في الأردن، شيء مضحكٌ فعلاً! لم يكن الأردن في السابق برغم السلبيات والتهميش الفئوي الرسمي لعائلات وكفاءات وفعاليات معينة، لم يكن حقل ألغام للفساد وزبانيته كما هو الحال عليه الآن في عهد عبد الله الثاني، ورانيا الياسين، والسبب الأكيد هو غياب الإرادة السياسية والقصور التشريعي عن محاسبة الفاسد ومكافأة النزيه المخلص لما تبقى من الوطن، حتى أصبح المسؤول يُجاهر بالباطل ملتحفاً بعباءة السلطة، ومختزلاً منها مفردات القيم الأردنية، وأصبح التعيين في مناصب الدولة العليا من جيش وأجهزة أمنية ومن وزراء وأعيان ونواب وغيرهم أصبح المفتاح الأوحد لتلك المناصب هو القُرب من الملك والملكة لا الكفاءة وخدمة الأردن كوطن وشعب، مما جعل تلك المناصب للأسف طريقاً للثراء السريع واقتناص الفرص ضمن هالة شللية أوجدها النظام الملكي لحماية وجوده في بلد يرزح تحت مديونية عالية بأرقام فلكية تجاوزت 38 مليار دولار أميركي، وذلك بسبب مصاريف عبد الله الثاني ورانيا الياسين، وشِلل القصور الذين أوجدهم في غفلة من زمن أردني رديء. المسيرات والمظاهرات والحراك الشعبي الأردني الذي كان وتم التآمر عليه، والمعارضة الأردنية في الداخل والخارج بشكل خاص، التي بذلت رانيا الياسين الغالي والنفيس في محاولة منها لإجهاضها والقضاء عليها بوسائل رخيصة يعف القلم عن ذكرها، فكل هذا الاحتقان غير المسبوق في جدارية الوطن قد زاد من زخم الأحرار وتصميمهم لإعلاء الصوت الأردني وإيصال القضية الأردنية لدول العالم، وإيضاح مستوى قمع حرية الرأي والكلمة في الأردن حالياً، بالإضافة إلى تسليط الضوء على حجم الظلم وممارسات الملاحقة والتعذيب الممنهج، الذي تعرض له ويتعرض له كل من عبّر أو انتقد ولو بكلمة النظام الأردني والملك أو الملكة. وكمثل بسيط من قائمة بالآلاف أسرد هنا قصة الناشط الأردني المهندس عبد الهادي الحوامدة، الذي سجن لمدة سبعة أشهر، وفصل من عمله كرئيس بلدية، والجريمة فقط أنه عبر عن رأيه بانتقاد بسيط للحكومة الأردنية وهذا مجرد غيض من فيض، علماً أن الناشط علاء الملكاوي لا يزال حتى كتابة هذه السطور رهن الاعتقال، وتم فصله من وظيفته، والجريمة أيضاً هي فقط نقدهم البسيط لمستوى الظلم والإجحاف الذي سببه حكم عبد الله الثاني للأردنيين، من تضييق وضنك في العيش والحريات. وفي هذا المجال لا بد لكل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي فتح تحقيق دولي بخصوص الملاحقات والتعذيب المادي والمعنوي، الذي تم ويتم الآن بحق الأحرار الأردنيين في سجون النظام الأردني، فهذه جرائم لا تموت بالتقادم. يا سادة قبل السؤال عن المعارضة الأردنية وأهدافها وتخوينها، ينبغي السؤال عن أسبابها ودوافعها والنتائج التي أفضت إليها، وكيفية معالجتها والتعاطي معها، فالقضية الأُردنية أصبحت قضية دولية بامتياز، تماماً كما هو الحال بالنسبة لمُجمل القضايا الإقليمية الأخرى، فلطالما كان الأردن هو جسر العبور الآمن لمجمل القضايا العربية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، ومن باب أولى النظر لتطلعات وآمال الشعب الأردني في مجال الحريات ومكافحة الفساد، وتشكيل منظومة وطنية واضحة المعالم للمشاركة السياسية الفاعلة للقوى الشبابية والنخبوية، والبعيدة كل البعد عن مسلسل المحاصصة والتوريث السياسي المؤلم، والمتبع حالياً في تشكيلة الدولة الأردنية، التي تأتي فقط وفق مزاج عبد الله الثاني ورانيا الياسين، فالوطن للجميع وليس لملك أو ملكة أو فئة أو طائفة أو عائلة أو مسؤولين متسلسلين معينين من أبعاد أو حتى رُؤى معينة شكَّلها الملك أو الملكة. أما فيما يتعلق بموضوع المُصالحة الوطنية كباكورة للحوار الوطني، فأين هذا العنوان وتلك المفاهيم من خططنا لاحتواء أزمتنا الأردنية؟ نعم الأزمة، فالأردن يعاني من أزمة وطن انعكست في عنف مجتمعي ظاهر، وذلك نتيجة لتراكم الممارسات الرسمية الخاطئة التي فرضها النظام الملكي، وابتعاد تلك الممارسات كلياً عن مطالب الشعب الأردني، فضلاً عن عملية الاضطهاد الخفي والظاهر جلياً في تهميش نُخب الشعب وكفاءاته ومقدراته، واللعب على وتر الأصول والمنابت الأردنية والفلسطينية، بالإضافة لخلق وتلميع شخصيات دولة بين ليلة وضحاها، بلا تاريخ أو حتى بصمات للوطن، وتقليدها زمام السلطة وأصول الثروات، وذلك لمحو أي دور للشخصيات والنخب الوطنية الأردنية، وإقصائها عن أي مساهمة في بناء الأردن الحديث، لكنهم يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، فليعلموا بأن صوت الشعب الأردني هو صوت واحد، وهو الأبقى بموجة التغيير الفعلي القادمة. إن الحوار الوطني ينبغي أن يكون حواراً شاملاً، مؤسسياً، صادقاً، ومقروناً بخطط تنفيذية ذات شفافية لها أبعاد مؤثرة للخروج بالوطن من أزمته السياسية والاقتصادية في آنٍ واحد، وذلك لردم الهوة الساحقة بين الشعب والحكومات، ولتفعيل كافة القوى على الساحة الأردنية بدون أي تمييز، فالانفتاح السياسي هو أساس ولُب التغيير الشامل الذي فرض نفسه في وقت تُمارس فيه عملية الانتقاء السياسي في الحوار الأردني، الذي دعا إليه عبد الله الثاني وشكَّل لجنته سابقاً من ثُلة من شلله الذين نهبوا ثروات ومقدرات الأردن. قضية أخرى نسردها هنا، وهي مهزلة تشكيل ما يسمى باللجنة الملكية لتطوير القضاء برئاسة زيد الرفاعي، وكل الأردنيين يعلمون تماماً ماذا جلب زيد وابنه سمير للأردن والأردنيين، وما علاقة زيد وهو في مجلس الأعيان بتطوير السلطة القضائية، فعلاً مهزلة. أما فيما يتعلق بالورقة النقاشية السادسة لعبد الله الثاني، التي جاءت تحت عنوان "سيادة القانون أساس الدولة المدنية" فهذه الورقة السادسة دليل آخر على استحقار عبد الله الثاني واستهانته بالشعب الأردني، فمن مقومات الدولة المدنية الشفافية في الحكم، فأين الشفافية ومصاريف ومخصصات الملك والملكة وعائلتهم والحاشية والديوان الملكي، كل تلك المصاريف وهي بالمليارات هي مصاريف غير معلن عنها وسرية، فأين الدولة المدنية من ذلك يا عبد الله الثاني، وأين الدولة المدنية والأردني يُعتقل ويُسجن ويُعذّب إذا عبَّر عن رأيه. هذا بالإضافة لسيل من البلطجية تم تجنيدهم من قبل فئة فاسدة في المخابرات الأردنية، ومهمتهم تحديداً تدمير وتشويه المعارضة الأردنية بكل الوسائل والسبل الرخيصة، في انتهاك صارخ للحريات وأخلاقيات العمل السياسي لنهضة الأردن، ففي جميع دول العالم المتحضر تعمل أجهزة مخابراتها ونظمها الأمنية لنهضة دولها، وصالحها العام، ولتقدم تلك الدول، ولا تعمل تلك الأجهزة لمصلحة الحاكم وعائلته فقط كما يجري للأسف في الأردن المنكوب، الذي استَعبدت فيه عائلة عبد الله الثاني الشعب الأردني، واستباحت أجهزة الأردن الأمنية لخدمة وحماية عبد الله الثاني وعائلته فقط، في ازدراء واستهانة للشعب الأردني، الذي لا يجرؤ فردٌ فيه على مجرد انتقاد الملك أو الملكة، أو حتى أمير صغير في المهد! قُرّائنا الأعزاء، ما أجمل أن تتلمس الحكومات نبض الشارع، والأجمل أن تعمل لخدمته، وأن تأتي من رحمه، لا أن تعلو عليه، أو تُثري على حسابه، فالوقت الآن ليس للخطابة، ولا للدعاية والترويج، أو حتى للتهليل والتصفيق للقادم، فالاقتصاد الأردني ينذرُ بالسقوط بين ليلة وضحاها، فمن هنا نكرر بأن الوطن للجميع، ومقدراته حق أساسي لأبنائه المخلصين، وننوه كما أسلفنا في دراسات سابقة لضرورة التغيير الشامل، وإحياء حزمة من المشاريع التنموية واتفاقيات التجارة الحرة لترويج التجارة البينية والنهوض باقتصاد البلاد من التخبط والعشوائية وامتصاص غول الفقر والبطالة، الناتج عن تراكمات سابقة لسياسات حكومية فاشلة بلا أهداف برامجية لبناء واستقرار البلاد، وهذه نتيجة طبيعية للنظام الملكي الشمولي والدولة الأردنية العميقة، فالحاجة الآن ليست إلى حكومة إنقاذ وطني، لكن بلا شك فإن جرس الإنذار يقرع مدوياً، يجدد نداءه للأردنيين لبناء وطنٍ وأردن جديد يرقى بأبنائه لبر الأمان. فهل وصلت الرسالة؟ يكفي استنزافاً وتغييباً للشعب الأردني، فالتغيير مفروضٌ لا مطلوب، بالإضافة إلى أن معادلة العصر تنطق بأن السياسة الميكافيلية قد ولّت إلى غير رجعة، فالكل بلا استثناء أبناء للوطن، ونحيّي كل القوى الدولية، ومنظمات المجتمع المدني والدولي وأحرار الأردن في الداخل والخارج، الذين أسهموا ويسهمون في إبراز القضية الأردنية والدفاع عن كل أردني وأردنية، لحِق به ظلم وتعسف بسبب حرية الرأي والكلمة. لن تأتي الحلول الجذرية للمُعادلة الأردنية كباقة ورد سحرية لتنثر الرفاه المطلوب على أرصفة الوطن المنكوب، فمن ملك وورقة نقاشية ساخرة، سيأتي أردن جديد يولد من أصوات الجياع والعاطلين، ومن أجنة أردنية لاعنة، وتلاحق عار ظلمكم وقصوركم ونهبكم للأردن منذ عقود. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.