لأن للشهرة مسالك كثيرة، فهو ليس في الصف الأول من المشهورين، لكنه من الصف الأول في المطربين، ومن الصف الأول في الملحنين. صالح هو خليط محكم من ثراء موسيقي وخيال مبدع، وفشل في تسويق الذات، وقلة معرفة بفن استخدام الإعلام. في جيزان مطربون ممتازون وملحنون مقتدرون، لكن الجميع يعرف أين تفرد صالح خيري، يعرفون أن صوته هو عصير جيزان، جبلا وبحرا وسهلا. حين يغني من تراثيات جيزان فأنت أمام راع في سفح "طلان" وجوار مزارع أسند ظهره إلى جذع أثلة في وادي "بيش"، وتسمع وسواس الحلي من صف صبايا يرقصن "المَصْقَة" في ضفاف "خُلب"، تغمرك رائحة السيول وعبق "الدوش" في مضايق الجبال، ورفيف النسمات بعذوق تهامة، حداء السّارين، وتناهيم الأشرعة، ليالي الوصل وحرقة الأسفار. وهو كذلك في التراث اليمني، بل تراث الجزيرة كلها، قبل ليالٍ حلق بالمكان وهو يغني "مال غصن الذهب" سمعناها منه كما لم نسمعها من غيره. وهو إلى ذلك ملحن أصيل ملم بأغلب التراث العربي غير أنه يحتفظ بأجمل ما لديه دون تسجيل. قدم في السنوات الأخيرة "أوبريتات" وطنية لمختلف مناطق المملكة، أعلاها تلك الثلاثة التي قدمها لجامعة جيزان بأصوات من طلاب الجامعة، يقول إنه يرتاح في العمل للجامعة؛ لأنها جامعة جيزان، ولأنها لا تطلب منه البقاء محصورا داخل الجملة التراثية، وتطلق له خياله وقدراته للتعامل مع الكلمات. فنان حقيقي، وهو يعرف أنه فنان حقيقي، ملتزم أخلاقيا وأسريا واجتماعيا، يبالغ في الخوف على سمعته، خلوق ومهذب، فيه طفل لا يبدع إلا إذا حرضته أو شجعته أو استفززته. صحيح، أن البيئة الفنية تغيرت وسوق الفن تغيرت معاييرها، لكن صالح نفسه لا يجيد التعامل مع الإعلام ولا يسعى إليه، ولا يرغب في تسجيل أعماله الطربية، ولا يعرف كيف يقترب من دوائر الضوء، ولا يريد إصلاح كل هذه العيوب، ولا نعرف، نحن أصحابه، كيف نرشده!