"أسرعي فلم يعد أمامنا سوى نصف ساعة لتسليم الطعام".. بهذه العبارةاستحثت أم خديجة مساعدتها زينب لإنهاء إعداد طلبات طعام تلقتها عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) التي دشنتها منذ شهور لتكون مسار تواصلها مع زبائنها الذين حازت أكلاتها ثقتهم وإعجابهم. أم خديجة التي افتقدت العائل لأسرتها بعد مقتل زوجها أثناء فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة على يد قوات الأمن، دفعتها الحاجة إلى بدء مشروع "المطبخ المنزلي"، معتمدة على معارفها من النساء العاملات اللاتي شجعنها على المضي قدما في المشروع. وبمرور الوقت، لاقت أطعمة أم خديجة رواجا كبيرا وزاد حجم الطلبات ليتجاوز مجرد إعداد وجبة غداء هنا أو هناك، إلى إعداد ولائم أفراح ومناسبات كبيرة، الأمر الذي شجعها على إشراك رفيقتها زينب التي تعيش ظروفا مشابهة بعد اعتقال زوجها وإصراره على عدم قبول أي شكل للمساعدة من آخرين. الأدوات الحديثة والكبيرة تساعد في إعداد أي كمية من الطعام(الجزيرة) وتقول أم خديجة "في البداية، كنت قلقة من عدم الوفاء بمتطلبات زبائني، خصوصا من يطلبون كميات طعام كبيرة، لكوني كنت أعتمد على أدوات مطبخ منزلي فقط، وهو الأمر الذي تطلّب قرارا جريئا". هذا القرار تمثل في استقطاع الجزء الأكبر من أرباح شهورها الأولى لتوفير أدوات وأجهزة ساعدتها على تحضير كميات كبيرة من الطعام في وقت أقل، واستطاعت توسيع نشاطها واستقطاب شريحة أكبر من الزبائن. وتضيف أم خديجة "أحمد الله أن يسر لي هذا المصدر الكريم للرزق وأغناني عن الحاجة والعوز، بل ويسر لي مساعدة رفيقتي زينب لتشاركني هذا المصدر وترضي زوجها الذي يعاني قسوة السجن والبعد عن أسرته". وجدت أم أيمن (موظفة) في هذا النمط من الخدمة حاجتها، حيث البديل الذي "يشابه إلى حد كبير ما تعده بيدها في المنزل، ويرتاح له زوجها الذي لا يثق في وجبات المطاعم مهما ذاع صيتها واتسعت شهرتها". رغم اتساع النشاط فإن الوجبات الصغيرة ما زال لديها مجال(الجزيرة) وتبرر أم أيمن اعتمادها على "مطبخ أم خديجة" بضيق وقتها، حيث لا تسمح ساعات عملها بإعداد الطعام قبل رجوع زوجها، مشيرة إلى أن "أسعار هذه الخدمة مقبولة ولا تقارن بأسعار وجبات المطاعم". ودفع انتشار "المطابخ المنزلية" الذي وفرته العشرات من زوجات ضحايا أحداث ما بعد الانقلاب والمعتقلين، إلى دخول أخريات يسعين لتحسين أوضاعهن المعيشية في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، الأمر الذي استغله البعض بإنشاء موقع تسويقي لتجميع تلك المطابخ في نافذة واحدة وعرضها بصورة احترافية على الراغبين في تلك الخدمة. وبالتوازي مع "المطبخ المصري"، ظهر "المطبخ السوري" الذي وجدت فيه أسر سورية من اللاجئين في مصر مصدرا للكسب وتجاوز محنة الغربة، وساعدهم على ذلك تميز الأطعمة السورية وتفضيلها في أحيان مختلفة حتى من قبل المصريين. وتتميز نماذج المطبخ المنزلي للأسر السورية بشكل أكثر تنظيما واعتماد للعمل الجماعي بتشارك عدد أكبر من السيدات في المطبخ الواحد، والتنسيق مع مطاعم سورية معروفة لتقديم الخدمة من خلالهم،وهو ما ساعد في استقطاب شرائح أكبر من الزبائن. وترى الباحثة الاجتماعية صفاء صلاح في الأمر "دليلا على قدرة المرأة العربية على تحمل المسؤولية ومواجهة التحديات والحفاظ على كرامتها وكرامة أسرتها، فهذه المشروعات تكفل مصدر دخل للأسرة يعيد إليها توازنها في مواجهة ظروف صعبة كما هو الحال مع غياب العائل". ولفتت إلى أن هذه الفكرة لاقت قبولا مجتمعيا واسعا لما قدمته من خدمة تتناسب مع احتياجات الأسر المختلفة، ولرغبة المجتمع في دعم مثل هذه النماذج من زوجات الضحايا والمعتقلين واللاجئات السوريات.