لم تسجل كتب التاريخ أن احتلالا استطاع أن يبقى في أرض فيها شعب يقاوم ويعلم أولاده في الكهوف، كما أظهرت الصور التي رآها العالم، كي يبقى على قيد الحياة. العربثائر الزعزوع [نُشرفي2016/11/17، العدد: 10458، ص(9)] لم يكد يمر سوى يوم واحد فقط على “الاعتراف” الذي أدلى به رئيس هيئة الأركان المشتركة في القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد حسين باقري الذي كشف من خلاله أن إيران أسست خلال السنوات الماضية أرضية لصناعة صاروخية في سوريا تسمح بإنتاج صواريخ في محافظة حلب، وأشار إلى أن تلك الصواريخ الموجودة بالمصنع في حلب استخدم بعضها ضد إسرائيل في حرب لبنان عام 2006، حتى بادر صبية ميليشيا حزب الله إلى تنظيم استعراض للقوة في مدينة القصير الواقعة تحت سيطرتهم منذ يونيو عام 2013. وأيا تكن التحليلات والتأويلات التي حاولت تفسير هذا التصرف الاستعراضي الوقح، الذي لا يقل وقاحة عن تصريح المسؤول الإيراني، والذي يتزامن مع الإشارات القادمة من واشنطن وتشير إلى أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سوف لن يشغل نفسه كثيرا بالشأن السوري، بل ربما سوف يسعى للتنسيق مع نظام دمشق مستقبلا، وهي الأسطوانة التي بدأ محور “المقاومة والممانعة” العزف عليها مؤخرا، إلا أننا يجب ألا نغفل من ناحية أخرى الأعداد المتزايدة من الصناديق التي تحمل جثث قتلى حزب الله وقيادات من الحرس الثوري الإيراني، بحيث أن أرقام أولئك القتلى بدأت تؤرق صانعي القرار في طهران، وهي تؤثر بشكل كبير على جمهور حزب الله تحديدا الذي لجأ في الكثير من المرات إلى دفن قتلاه داخل الأراضي السورية حرصا على عدم إثارة غضب ذلك الجمهور الذي لم يعد مقتنعا بأكاذيب المقاومة، ولا حتى بحماية المقامات الشيعية في سوريا. لذلك كان لا بد من هذا الاستعراض وتلك التصريحات غير المسبوقة والتي تأتي لتنسف كل ما سبقها من تبريرات كانت طهران حريصة على سوقها. لم يعد الأمر يتعلق بمستشارين عسكريين كما كانت تقول دائما بل تجاوزه إلى أبعد من ذلك بكثير، ليصل إلى حد الاعتراف بمصنع لصناعة الصواريخ، لم يكن من قبل مدرجا حتى على قائمة الأهداف الإسرائيلية المحتملة وهي التي استطاعت الوصول إلى عمق الأراضي السورية لتدمير العديد من المنشآت، لا خلال فترة الثورة ضد نظام دمشق بل قبل ذلك بكثير، وقد حققت إصابات محققة في غاراتها الجوية دون أن تتعرض لأي رد من أي طرف. فهل قررت إيران تقديم مصنع صواريخها في حلب وجبة جاهزة لإسرائيل؟، وهي التي تعلم مقدار التنسيق بين القوات الروسية وبين السلطات الإسرائيلية، بل لعلها تأمل في أن تنفذ إسرائيل ضربة تدميرية تكسب بعدها سلطات طهران البعض من النقاط من جمهورها الذي يسمع تصريحات متوالية عن نصر قريب و”اندحار محور الشر” حسب أدبيات قم البالية، ولا يرى بعد أكثر من خمس سنوات سوى جثث أبنائه. وبطبيعة الحال فإن الأمر نفسه ينطبق على عناصر ميليشيا حزب الله في القصير، ويمكن بالإضافة إلى ذلك اعتبارها رسالة إرهاب للداخل اللبناني الذي يوشك على الانتقال إلى مرحلة من التفاهم السياسي، بعد جملة من الاتفاقات حلت أزمة الرئاسة التي كان يعطلها الحزب نفسه، وقد تؤدي إلى استقرار نسبي، وهذا ما لا يريده الحزب الذي يعتاش على الفوضى، وسيشكل الاستقرار تهديدا كبيرا لكيانه الذي، وعلى الرغم من استعراضه العسكري، بات هشا، وبات يشكل عبئا على كاهل الدولة اللبنانية ويعطل أي تحرك باتجاه التنمية أو حل المشاكل العالقة، وهي أكثر من أن تحصى. قد تكون السنة الحالية التي أشرفت على نهايتها أعطت دعما كبيرا لنظام الأسد وحلفائه خاصة بعد التدخل الروسي والذي جعلهم يكسبون الكثير من النقاط على حساب كتائب الثوار وقوات المعارضة السورية، ويمضون في رسم خرائطهم التي يحلمون بأن تصبح واقعا، وقد جعلهم كل ذلك يتوهمون أنهم قادرون على حسم المعركة لصالحهم، إلا أنهم تناسوا بأن الشعب السوري يعتبر وجودهم احتلالا، ولم تسجل كتب التاريخ أن احتلالا استطاع أن يبقى في أرض فيها شعب يقاوم ويعلم أولاده في الكهوف، كما أظهرت الصور التي رآها العالم، كي يبقى على قيد الحياة. كاتب سوري ثائر الزعزوع :: مقالات أخرى لـ ثائر الزعزوع في سوريا: قوات احتلال وشعب يقاوم, 2016/11/17 ترامب ليس منقذا للسوريين, 2016/11/11 أنطونيو غوتيريس برتغالي محافظ هل يسدل ستار النهاية على اللعبة الدولية, 2016/11/06 روسيا.. حقوق القتل محفوظة, 2016/11/03 حلب ليست سوريا, 2016/10/27 أرشيف الكاتب