عمان - يحول الشاعر السوري جولان حاجي في ديوانه الشعري الجديد "ميزان الأذى" الضرر والوجع إلى مادة محسوسة يمكن للحواس لمسها ورؤيتها وسماعها. ففي مجموعته الشعرية الصادرة عن منشورات المتوسط في إيطاليا، يدخل المترجم السوري بقصيدته إلى الأذى السوري المباشر الذي عانى من آثاره الشعب السوري ويرمي بشعره في معترك الاحداث التي تجري في بلاده. ويأتي كتاب جولان الشعري ضمن مجموعة المتوسط المسماة "براءات"، وهي مجموعة إصدارات خاصة فقط بالشعر، والقصة القصيرة، والنصوص. أطلقتها المتوسط احتفاء بهذه الأجناس الأدبية. يواصل الشاعر السوري في "ميزان الأذى" مشروعه الشعري الذي ابتدأه قبل أكثر من عقد، وميزه عن باقي مجايليه وزملائه من الشعراء السوريين، من خلال اللغة الرصينة المرصوفة، والاشتغال الجدي على القصائد قبيل إخراجها من المختبرِ المنعزل المعتم إلى النور وضوضاء الحياة. ويتميز جولان في قصائد الديوان في قدرته على جعل الاذى مادة ملموسة، يمكن للحواس التقاطها بيسر، وهو الذي لم يحب كتابة القصيدة اليومية في أي من أعماله السابقة، ولم يحب أيضا ربط الطب بالشعر، أسوة بشعراء كثيرين حول العالم. يقدم جولان بحسب الناشر في هذه المجموعة نصوصا لم تستطع الفكاك من الأذى السوري المباشر، الذي لا يحتمل المجاز ولا التأويل، ويحول الصور المتبقية في ذاكرته، إلى نصوص تترك أثرا عضويا لدى القارئ، بحيث يشعر المتمعن في قراءة هذه النصوص أن الأذى يصيبه هو بالذات. ارتخاء في العضلاتِ وضيق في التنفس وشح في الهواء، بالإضافة للخلل النفسي الذي يجعل قارئ "ميزان الأذى" يتساءل عن سبب ومعنى كل ما يجري.. عن سبب الأذى ومعناه، وسبب الحياة ومعناها. ويستسلم جولان في هذه المجموعة إلى كتابة الاذى الذي ظل يراوده عن نفسه حتى سقط خاضعا لكتابته على نحو فريد للغاية، ومحكم في البناء والصياغة. ومن أجواء قصائد "ميزان الأذى نقرأ": ما أفدحَ ضعفي في وحدتي، وما أبشعَ قوّتي، حينَ تستفردُ أوهامي بي. أنا حيٌّ، وأقربائي يموتون في أرضٍ بعيدة: عمتي العمياء وأختي وأبي. أنا حي، ولست في الجحيم لأن نسمة عبرت منذ قليل؛ لست معتقلا، على الأقل في الوقت الراهن، لكنهم سمحوا لي بالعيش في هذه الغرفة الصغيرة حيث أواصل حياتي التي لا تهم أحدا، ولا أنطق اسمي الذي لا يعني شيئا. لأنني وحدي. لن يرغمني أحد على تفسيرِ وجودي هنا، عاريًا هكذا، دون أي حياء، مثل نطفة ميتة. ودخل جولان حاجي إلى تفاصيل الأذى أيضا لا ليؤرخه وإنما ليجعله الخلاص "أمّنا طفلتنا، أمّنا أيفعُ من أختنا، والصيفُ عرس. مزفوفة إلى رأس الجبل، كثلجٍ تلامسه يدُ الصبح، محمولة في الهواء كريشة أو وشاح خفيف، ظلّها، ممحوٌّ بزهور مشمش لا تذبل، قرتْ جذورَ الشجرة أساسات يتنا الذي اختفى، لا تذبل البتلات المزهرة في بيت ذاكرتنا: على كلّ تويجٍ سقتْهُ أمّنا تترقرق قطرةٌ صغيرة، نجمة فجر تخفقُ في ضياء النهار".