غير مبالية بشمس الصيف الحارقة -التي تجاوزت درجتها الأربعين- تنبش المرأة الثلاثينية النحيلة، أكوام القمامة عند أطراف مدينة كربلاء، وبأصابع قد برز عظمها من أسفل الجلد بشكل لافت، تتناول بعض القطع من هنا وهناك، لتضعها في أكياس متسخة، بعضها للمعادن وأخرى للبلاستيك. وعند سؤالها عن من تكون وماذا تفعل هنا؟ أجابت بهدوء من اعتاد المعاناة "اسمي أم محمد، وأبحث عن رزقي ورزق أبنائي". وتقطع أم محمد إلى جانب عشرات آخرين معظمهم نساء وأطفال مسافة عشرين كيلومترا يوميا للوصول إلى مكب النفايات الرئيسي، حيث الصحراء القاحلة، في جنوب كربلاء (وسط العراق)، ليقضوا النهار بحثاً عن المعادن، مثل الحديد والألمنيوم والنحاس، إضافة إلى البلاستيك والكارتون، لجمعها ووضعها في أكياس، ومن ثم نقلها إلى المدينة لبيعها في سوق الخردة. أم محمد، تقول وهي لا تزال منشغلة بعملها الشاق "أجني يوميا من هذا العمل بين خمسة آلاف و15 ألف دينار (بين أربعة دولارات و12 دولارا) في اليوم الواحد". وتتوقف لحظات لتنظر بأسى إلى النسوة والأطفال المنتشرين حولها يبحثون بين النفايات، قبل أن تقول "لم أجد ما يسد رمق عائلتي سوى هذا العمل المضني، والذي لا يعطينا من المال بقدر ما يأخذ من صحتنا وأعمارنا، نحن وأطفالنا"، مشيرة إلى بعض البقع التي تظهر على أيدي ووجوه بعض النسوة والأطفال، نتيجة إصابتهم بأمراض جلدية جراء العمل في النفايات دون أي أدوات للوقاية الصحية. تشير أم محمد -التي تغطي وجهها ولا يظهر إلا عيناها- إلى أن السلطات العراقية "لا تدير بالا للفقراء"، قائلة "مسؤولو العراق يطلقون الوعود للمواطنين خلال الانتخابات، وبعدها يختفون، بينما نحن نحترق تحت الشمس ولا نحصل إلا على الجزء اليسير ليسد رمقنا من هذا العمل". نساء وأطفال يبحثون وسط أكوام القمامة في كربلاء (الأناضول) شرطة ومطاردة تلوح على شفتيها ابتسامة أسى، لافتةإلى أن "المسؤولين -بدلا من أن يزوروا مكب النفايات للاطلاع على الأسباب التي تدفع الناس لنبش النفايات- يقومون بإرسال الشرطة لمطاردتنا، بحجة أننا لا نملك ترخيصا للعمل". ويوزع العراق رواتب على شرائح محددة من الفقراء وفق قانون الإعانة الاجتماعية، حيث يبدأ سلم الإعانة من خمسين ألف دينار (40 دولارا تقريبا)للفرد الواحد، وصولا إلى 120 ألف دينار (نحو 100 دولار) للعائلة المكونة من ستة أفراد. ورغم أن هذا المبلغ زهيد ولا يؤمن حاجة الأسرة العراقية، فإن معظم الذين التقيناهم في مكب النفايات لا يتقاضون حتى رواتب من شبكة الإعانة الاجتماعية. ويتحدث هؤلاء عن ما وصفوه بـ"محسوبيات، وفساد يشوب ملف الإعانة الاجتماعية، وأن الكثير ممن يتقاضونها من ميسوري الحال بينما يُحرم منها الفقراء.