إنها صيرورة التاريخ تلك التي من أجلها صارت دراسة تاريخ الأمم والشعوب مدخلاً مهماً لفهم تطور المجتمعات وأنظمتها السياسية، وأسهمت بذلك في خلق تطور الحياة الإنسانية بجعل مسارها يتخذ منحى دائرياً، أي أنه عندما يصل المسار إلى نقطة الوصول المفترضة يعيد التاريخ إنتاج نفسه من نقطة البداية، لكن وفق محددات مختلفة بطبيعة الحال مراعاة لظرفَي الزمان والمكان. دعونا نعود قليلاً إلى التاريخ الحديث حتى نفهم هل وصل العالم اليوم إلى نقطة الوصول في مسار صيرورته التاريخية تجعلنا نقر أننا أمام مرحلة تحول وعند نقطة بداية جديدة؟ يتذكر الجميع حقبة انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع تسعينات القرن الماضي، وكيف أسهمت الاستفتاءات الشعبية في جمهوريات الاتحاد في فرض خيار التفكك ورسم معالم الأنظمة السياسية في المنطقة آنذاك، لكن الخيار الديمقراطي وفق الرؤية الشيوعية لهذا المفهوم طبعاً في حقبة مراجعاتها الفكرية لها، أفرز لنا قيادياً أقر يؤمن بروسيا الفيدرالية وبنهج الإصلاحات الهيكلية، إنه أول رئيس لروسيا الاتحادية بوريس يلتسين، فهل هناك نقاط مشتركة بين الأشقرين يلتسين وترامب؟ نحن نؤمن أن لكل مجتمع وبلد خصوصياته، إلا أننا نقر بأن للتاريخ صيرورة ومنطقاً يعيد نفسه ولو بميكانيزمات مختلفة. فإن كان تحول المعسكر الشرقي وخيار المجتمع الروسي في تبني سياسات غورباتشوف وإنتاج قيادي من طينة بوريس يلسين قد ألقى بظلاله على العالم وأسهم في إنتاج نظام سياسي جديد جعل الممارسة الديمقراطية أداة طيعة في يد مخططي ومنظري التحكم الذين سيفرزون لنا في وقت لاحق شخصية وكاريزما فلاديمير بوتين ولعبة الانتقال بينه وبين ميدفيديف، فإن ما تشهده الولايات المتحدة اليوم قد يكون هو الآخر إعادة لما وقع في روسيا الاتحادية في مطلع التسعينات؛ لأن مؤشرات الرغبة الشعبية في تغيير نمط القيادات تتشابه إلى حد ما بين النموذجين، من خلال جعل هذه الديمقراطية تفرز قيادات لا ديمقراطية تؤمن بسمو العرق القومي والوطني، وتعِد بجعل الوطن فوق الجميع، وتعد بأن يكون سيداً للعالم. لقد أنتجت آليات الديمقراطية -وفق النموذجين الشرقي والغربي- قيادات غير ديمقراطية لن تغير مسار العالم فقط، بل ستجعلنا نعيد النظر في رؤيتنا للنظام الأمثل لحكم الشعوب وتدبير المجتمعات. لكن في المقابل، فإن التجربتين لن تنتجا بالضرورة نفس نتائج التفاعل؛ لكون عناصر هذا الأخير تختلف باختلاف النظامين وحاجات وتطلعات الأمتين. فإذا كان بوريس يلتسين صمام أمان لقوى التحكم في روسيا الاتحادية قد أفرز رجلاً استخباراتياً من طينة بوتين، فأي نموذج ستفرز لنا قوى التحكم في الولايات المتحدة في المستقبل القريب من خلال مرحلة التحول التي اختير دونالد ترامب عنواناً لها؟ ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.