تعكف مصر على تحسين شروط الاستكشاف، وتسعى جاهدة لسداد نحو خمسة بلايين دولار تدين بها لشركات أجنبية للنفط والغاز، بينما تبذل جهودا حثيثة للحيلولة دون نزوح تلك الشركات إلى مناطق اخرى في افريقيا ذات آفاق أكثر إيجابية. وتحتاج القاهرة إلى تلك الشركات لتوسيع عمليات الاستكشاف وبدء الإنتاج من اكتشافات جديدة لسد النقص في امدادات الطاقة وتفادي المزيد من الاضطرابات، غير أن المستثمرين مترددون لأن مصر تدفع لهم ما يكفي بالكاد لاسترداد تكاليف الاستثمار. وتتفاقم مشكلة التكلفة منذ الإطاحة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك عام 2011 بسبب عجز مصر عن سداد مدفوعات الشركات الأجنبية المستحقة عن الإنتاج الحالي، وقرارها تحويل حصصها من الغاز المخصصة للتصدير الى الاستخدام المحلي. وتسببت الأزمة بعجز مجموعة بي.جي- أحد المستثمرين الرئيسيين والتي تعتمد على مصر في نحو خمس إنتاجها- عن الوفاء بالتزاماتها الخاصة بالتصدير، وقالت الشركة البريطانية إنها لن تضخ استثمارات جديدة الى حين سداد المزيد من الديون وتقديم ضمانات. وقال مارتن ميرفي المحلل لدى وود ماكنزي للخدمات الاستشارية في مجال الطاقة إن تراجع الاستثمارات أدى إلى انخفاض إنتاج الغاز في مصر إلى ما يزيد قليلا عن خمسة بلايين قدم مكعبة يوميا من ستة مليارات في 2012. غير أن شركات أصغر حجما تقول إن مصر تبذل جهودا لتحسين الأوضاع، واجتذبت جولات الترخيص المصرية الجديدة عروضا على رغم الاضطرابات في البلاد. وكانت شركة بترو سيلتك الأيرلندية التي تعتمد على مصر في 70 في المئة من إنتاجها بين ثلاث شركات وقعت اتفاقات استكشاف جديدة الشهر الماضي. وقال المدير المالي للشركة توم هيكي لرويترز: "انهم مبدعون للغاية في الحفاظ على التدفقات الاستثمارية والحفاظ على التواصل مع المستثمرين"، مضيفاً: "على سبيل المثال وفرت الجولات الجديدة الفرصة للتفاوض على سعر الغاز في حال اكتشافه بدلا من تحديده في العقد". وقال هيكي ان منتجي الغاز من الحقول البرية يتلقون حاليا نحو 2.75 دولاراً عن كل ألف قدم مكعبة كحد أقصى وهو ما يقل كثيرا عن الأسعار التي تدفع في بحر الشمال ومناطق أخرى. وتجتذب هذه المرونة الجديدة المستثمرين، إذ تسمح لهم بالمطالبة بأسعار أعلى بناء على بعد الحقل عن الشاطىء والعمق الذي توجد فيه الاحتياطيات وتكلفة تطوير الاكتشاف الجديد. وتعرض مصر مزايا أخرى أيضا حيث تسمح للشركات بحسم علاوة التوقيع، وهي رسوم تدفع مرة واحدة لإبرام صفقة الاستكشاف، من المستحقات بدلا من دفعها مقدما. وفي تعديل مهم، قال مسؤولون تنفيذيون ومحللون إن مناطق الامتياز الجديدة سيسمح بالبيع مباشرة إلى المستخدمين التجاريين مثل مصانع الصلب ومحطات الكهرباء من دون المرور عبر هيئات حكومية. وقال ميرفي من وود ماكنزي إن هؤلاء المستخدمين سيدفعون أسعاراً أعلى وهو ما يخفف جزئيا أعباء الدعم الثقيلة عن عاتق الدولة ويلبي طلب المنتجين لأسعار تتناسب مع تكاليفهم. ويقول بعض المحللين إن مثل هذه الإجراءات حيوية كي توقف مصر نزوح المنتجين إلى دول مجاورة تتمتع بطبيعة جيولوجية أفضل مثل الجزائر. ويرحب المنتجون ببشرى زيادة عائداتهم في المستقبل، لكنهم يقولون إن الاستثمارات الجديدة لن تتم ما دامت مصر تواجه صعوبات في سداد مدفوعات الإنتاج حتى بالأسعار الحالية المنخفضة. وفي الشهر الماضي، قال وزير البترول المصري شريف إسماعيل إن مصر سددت للشركات الأجنبية بالفعل مستحقات قيمتها 1.5 بليون دولار وستسدد 3.5 بليون دولار أخرى بحلول 2016. وهناك 1.2 مليار دولار مستحقة لشركة بي.جي وحدها، لكنها تقول إن المتأخرات المستحقة تراجعت العام الماضي. وتقول شركات أصغر حجما إنها استردت نسبة أكبر من مستحقاتها. وقالت سي دراجون انرجي وهي شركة صغيرة لإنتاج النفط مقره كالجاري وتعتمد اعتمادا كاملا على مصر إن القاهرة لم تعد مدينة لها بأي اموال. وقال الرئيس التنفيذي للشركة بول ولش لرويترز: "تحسن الوضع كثيرا في الآونة الأخيرة. فقبل عام تجاوزنا موعد استحقاق المدفوعات بما يتراوح بين 180 و210 أيام". وأضاف: "هم (المصريون) قاموا بتسريع عملية الموافقة في الوزارة... واصبحت الموافقات تتم بشكل أسرع كثيرا". وذكرت بترو سيلتك إن متأخراتها تراجعت إلى 80 مليون دولار في نهاية 2013 من 125 مليون دولار حين دخلت السوق المصري في أغسطس آب 2012. غير أن ديون شركات أخرى تراكمت على مصر في وقت تكافح فيه لسداد مبالغ كبيرة. وقالت شركة دانة غاز التي تعتمد على مصر في أكثر من نصف إنتاجها إنها تلقت 53 مليون دولار في نهاية 2013 لينخفض إجمالي مستحقاتها المتأخرة إلى 274 مليون دولار. ويمثل ذلك زيادة قدرها 38 مليون دولار مقارنة بالعام السابق، غير أن باتريك ألمان وارد الرئيس التنفيذي لدانة غاز قال إن الشركة التي مقرها الإمارات واثقة من إيجاد حل. ووقعت دانة غاز عقدا جديدا مع مصر الشهر الماضي واستحوذت سي دراجون على امتيازين جديدين في نيسان (ابريل) 2013. وقال ولش إن الاضطرابات السياسية أتت بنتيجة إيجابية، إذ تقلصت تكاليف شركات الطاقة مع تراجع قيمة الجنيه المصري. وأضاف: "نحن متحمسون لمصر لأننا نعتقد أن الأمور تتحسن وأن الوقت الان مناسب للاستثمار". وكانت بي.بي قالت العام الماضي إنها اكتشفت احتياطيات من الغاز في بئر سلامات أعمق الآبار التي تم حفرها في دلتا النيل حتى الآن. وتدرس الشركة كيفية المضي قدما في استثمارها، لكن متحدثا باسمها قال إنها تظل متقيدة بالتزاماتها تجاه مصر واستثمارها الكبير في مشروع غرب دلتا النيل القائم على رغم بعض التأخيرات. وإذا كانت مصر تريد زيادة إنتاج الغاز وصادراته فعليها أن تضمن الاستفادة من تلك الآبار الكبيرة في المياه العميقة التي ينطوي تطويرها على تكاليف عالية وتحتاج إلى الخبرة والقدرة المالية التي تتمتع بها شركات متعددة الجنسيات مثل بي.بي وبي.جي. وقال مسؤولون تنفيذيون إن مصر وافقت مبدئيا على دفع سعر أعلى للغاز المستخرج من الآبار البحرية والتي لا يتم تطويرها إلا في سوق مضمونة وبسعر متفق عليه على عكس النفط. وقال ميرفي إن عروضا لرفع الأسعار إلى خمسة دولارات لكل ألف قدم مكعبة قدمت خلال العامين الأخيرين في مراحل متأخرة من عقود تقاسم الإنتاج القائمة الخاصة بمشروعات كبرى. ويقول مسؤولون تنفيذيون إن هناك محادثات جارية حول مشروعات كبيرة بأسعار تبلغ سبعة دولارات لكل ألف قدم مكعبة، وهو سعر أعلى مما تدفعه مصر حاليا، لكنه أقل مما ستنفقه على واردات الغاز الطبيعي المسال إذا لم يتم استغلال مواردها. وتتوقع مصر بالفعل أن تستورد كميات إضافية من المنتجات البترولية المكررة قيمتها مليار دولار وتأمين إمدادات كبيرة من الغاز في وقت تكافح فيه لتجنب نقص حاد في الصيف. وقال ميرفي: "تطوير مواردها الذاتية أرخص كثيرا من استيراد الغاز الطبيعي المسال... مشكلة مصر أنها تحتاج الغاز الان في حين ان تنفيذ بعض هذه المشروعات سيستغرق سنوات". مصراقتصادشركات الطاقة