هناك إحصائية واحدة مثيرة للملاحظة عن روسيا هي أن متوسط الثروة لـ 110 ملايين نسمة من البالغين كان 10,980 دولاراً، العام الماضي، في حين إن متوسط الثروة هو 870 دولاراً. بعبارة أخرى، إذا تم تقسيم أصول البلاد بالتساوي، فإن الرجل الموجود في الوسط سيمتلك أكثر من عشرة آلاف دولار، أما عملياً، فإن صافي ثروته هو أقل من عُشر ذلك المجموع. هذا نتيجة سيطرة 110 من أصحاب المليارات على 35 في المائة من الثروة. هناك نتيجة أخرى لهذه الأرقام من معهد بحوث بنك كريدي سويس (ولا شك أن البنك السويسري ينبغي أن يعرف)، وهي أن كثيرا من الأموال ينتهي بها المطاف في مكان آخر، في أماكن أكثر استقراراً وقابلة للتعاملات البنكية. ذكر لي أحد المحامين في الحي المالي في لندن ملاحظة هذا الأسبوع "إذا كان الرئيس فلاديمير بوتين يحتل أراضي توجد فيها أقلية من السكان الناطقين باللغة الروسية، فماذا عن كنزنجتون وتشيلسي"؟ النتيجة الثالثة هي أن الأمر يبدو كأن الغرب لديه ثأر بسيط وغير مؤلم ضد غزو روسيا شبه جزيرة القرم - الذي كان عبارة عن نظير مالي لهجوم طائرات بدون طيار بدلاً من الحرب. يستطيع الغرب فرض تجميد أصول وحظر التأشيرات على بعض المختارين من الأغنياء المسيطرين (ربما الاستيلاء على نادي تشيلسي لكرة القدم من رومان أبراموفيتش، قطب المعادن)، كما يقول البعض، فإن هذا قد يحقق الغرض المنشود. سأدعو هذا بوهم ماجنيتسكي، بعد أن فرض القانون الأمريكي حظرا على التأشيرات للمسؤولين الروس، الذين كانوا مسؤولين عن وفاة محام في موسكو كان يحقق في قضية احتيال ضريبي. قد يبدو ذلك أنه ضربة دقيقة مستهدفة مع قليل من التكاليف أو العقبات، لكن من غير المرجح أن تنجح بهذه الطريقة. استفادت لندن وصناعة خدماتها المالية في الأعوام الـ 15 الماضية من انتشار أصول روسيا خارج البلاد في عهد بوتين (تماماً كما استفادت الشركات الألمانية من التجارة العابرة للحدود). لقد توصل الحي المالي في لندن إلى اتفاق مع القادمين الروس الجُدد - بإمكانهم الانضمام للنادي المحلي إذا امتثلوا للقواعد المحلية. لو أن توغل بوتين في أوكرانيا استمر، فسينبغي على الحي المالي في لندن تحضير نفسه لأمر أكبر من طرد الأغنياء المسيطرين الروس من مدرسة هارو ومحال هارودز. وبعيداً عن عدم شراء الغاز من شركة جازبروم، فإن الوسيلة الأكثر فاعلية لإلحاق الأذى بروسيا ستكون مالية، وليست شخصية: وهي رفض منح الدعم لمصارفها وجعل موسكو تتحمل الضغط بدلاً من ذلك. قد تكون معاقبة الأفراد أسهل وتتضمن تضحية أقل، وهذا هو السبب في كون حكومات الولايات المتحدة وأوروبا سعيدة لاستعراض الفكرة أكثر من النظر في فرض مزيد من العقوبات. كما أنها تتمتع بجاذبية شعبية، خاصة في منطقة "لندنجراد"، حيث تدفُق الثروة قد أدى إلى تضخيم أسعار المساكن عبر مساحات من كنزنجتون ومايفير. هل يستحق أصحاب المليارات الروس أن يكونوا بهذا القدر من الثراء؟ بالكاد أي أحد يصدق ذلك، لذلك فهم أهداف سهلة. وكما يجادل بيل برودر، الرئيس التنفيذي لشركة هيرميتاج كابيتال للاستثمار، الصندوق الذي وقف وراء قانون ماجنيتسكي، "لدينا نفوذ ضد روسيا لم نكن نملكه في الماضي، لأن السوفيات لم يكن لديهم أموال في لندن". علاوة على ذلك، على الرغم من أن طريقة عمل النخبة السياسية الروسية غامضة، إلا أن بوتين يعتمد على دعم الأغنياء المسيطرين من مختلف الفئات. يقول سامويل جرين، مدير المعهد الروسي التابع لكلية كينجز في لندن "إنهم الدائرة الانتخابية الرئيسية للكرملين، فإذا أصبحت قيادته عبئاً، فسيتخلصون منه بنفس الطريقة التي يتخلص فيها المساهمون من الرئيس التنفيذي". هناك مشكلة مضاعفة في استهداف الأغنياء المتنفذين. أولاً: على الرغم من أن ذلك يبدو غريباً في هذا السياق، لكن الأمر يتضمن مسألة مبدأ، حيث ينجذب المستثمرون الأجانب إلى لندن بسبب خبرتها وسلطة القانون الثابتة فيها. يقول أحد مستشاري الحي المالي في لندن "ما الأسس القانونية التي لديك لمصادرة أصولهم؟ ستكون لديك صعوبة هائلة باستنباط أي قانون، وسترفضه المحاكم". ثانياً: الهدف المنطقي لحظر التأشيرات هم الذين قرروا غزو القرم، خصوصاً بوتين نفسه ودائرته القريبة منه. وهذا أمر مستبعد تماماً لأنه سيكون صعباً فوق الحد من الناحية الدبلوماسية. وسيكون من الشاذ أن التسلط بدلاً من ذلك على الأشخاص الذين هم على الأقل على مسافة درجة واحدة من الإجراءات، لكن تصادف أنهم كانوا في متناول يدنا. اتخاذ إجراءات ضد المؤسسات بدلاً من الأشخاص لن يكون فقط أمراً يمكن الدفاع عنه بصورة أفضل، وإنما أكثر فاعلية أيضاً، حتى لو أنه يتطلب تضحيات لا تريد أي حكومة أوروبية أن تبذلها. في بحث موجز عُرض بصورة غير مقصودة من قبل مسؤول بريطاني، أعلن أنه ينبغي للحكومة "ألا تساند في الوقت الحاضر العقوبات التجارية أو إغلاق المركز المالي في لندن في وجه الروس". الحي المالي – أو المصارف المختلفة المتنافسة وشركات الخدمات المهنية التي يتألف منها الحي المالي – على حق في شعورها بالتوتر، فقد أقر الحي المالي لتوه قواعد متشددة في الاكتتاب العام الأولي أمام الشركات التي يسيطر عليها الأغنياء المتنفذون، ليفاجأ بأن أعماله معرضة للخطر. يقول أحد المحامين "ينبغي أن يكون للحي المالي ضمير وأن يقول إننا سنفعل ما علينا، لكني لا أظن أنه سيفعل، ما لم يؤمر بذلك". أكثر عقوبة مالية فاعلة لن تكون حظر الإدراج في البورصة أمام شركات السوبر ماركت الروسية مثل لينتا، التي وصلت إلى سوق لندن في الأسبوع الماضي في اللحظة الأخيرة، وإنما باستهداف المصارف الروسية التي تسيطر عليها الدولة. إنها هشة، ولديها رأسمال ضعيف، و30 مليار دولار من القروض على أوكرانيا، وهي تعتمد بصورة مكثفة على الإقراض بين المصارف. إذا فرضت العقوبات، وقطعت التمويل الدولي، فسيضطر البنك المركزي الروسي إلى تقديم السيولة في نفس الوقت، حيث إنه سيسعى لدعم الروبل بما لديه من احتياطيات متهاوية من العملات الأجنبية. سيكون هذا أمراً صعباً تماماً على بوتين، حرمان عدد من أصحاب المليارات الذين يعرفهم من الحصول على تأشيرات. هذا أيضاً يتطلب بذل بعض التضحيات، بالنسبة للحي المالي في لندن وبالنسبة للمصارف الأوروبية، وبالنسبة للعالقين نتيجة لرد الفعل الانتقامي الغاضب من بوتين الذي لا بد من وقوعه، إذا لم تسبب هذه الإجراءات الألم، فإنها على الأرجح لن تنجح.