×
محافظة المدينة المنورة

ضبط 1705 مخالفين لنظام الإقامة بالمدينة

صورة الخبر

من فرط اعتناقنا لموقف ما، واتساقنا معه، نحْسَب أننا نحوز الحقيقة كاملة، ونخال أن الصواب والحكمة والدهاء صفات تظل حكراً علينا، ولا يدري الآخر كيف يهتدي إليها، ثمة كثيرون منا يستبد بهم هذا الوهم، فتراهم يتعاطون مع الآراء والرؤى المُخالفة بالإقصاء والتبخيس وحتى السخرية. لا يُضيرني أن يتشبث الفرد بوجهة نظر، ويتبنى تصوراً مُعيناً، استناداً على تحليل عميق، واستنباطاً لحجج وبراهين يراها مُقنعة في قرارة نفسه، لكن ما يشوه هذا المشهد، ويُضفي عليه قتامة شديدة، هو وقوع المرء فريسةًّ لراديكالية عمياء تُفقده وتُجرده من سبل التعامل الأمثل مع الآخر، ذلك أنه يحمل أفكاراً مُختلفة، فقط وكفى. يجدر بنا الاعتراف بأن بعض المجتمعات ما زالت عاجزة في القرن الـ21 عن تدبير الاختلاف، وحُسن إدارته، وأتحدث هنا عن المنطقة العربية التي نشأت فيها وأحتك بجزء من ساكنيها، ولا أنفك أقف فيها على صورٍ تعكس فشلاً ذريعاً في التعايش مع هذه القيمة الكونية. لا شك يا من تطالع هذه السطور أنك صادفت يوماً ما، في فضاء افتراضي، أو واقعي، نقاشاً بين شخصيْن أو أكثر، انطلق باختلاف حول فكرة وآل في آخر المطاف إلى سباب وتجريح وقذف، وكذا تهكم يتطاول على جوانب من شخصية الآخر، مع الإعراض عن تباحث مسارات لتقريب المسافات. الحال أن الاختلاف سُنة من سنن هذه الحياة، فكل شخص له منظور خاص به، ومُتشبع بقيم ومبادئ يعتبرها متفردة، صحيح أن الإنسانية تُعتبر مشتركاً بيننا جميعاً، لكن الإنسان عبارة عن نسخ تحمل طباعاً ومُعتقدات وآراء ونظريات مُختلفة ومُتعددة. إن دخولنا في حوارات تغلي فيها شحنات عالية من التوتر، يُعرّي في الكثير من الأحيان عيوباً وأعطاباً تشوب علاقتنا مع من يُناقضنا الرؤى، ويُعارضنا التصورات، في سلوك ينمّ عن حرصنا الدائم على فرض سطوتنا بأي شكل من الأشكال. لا يستقيم أي نقاش ودي بين طرفيْن دون استحضار عنصر المحاججة، والإتيان بالمعطيات الكفيلة بالبرهنة على هذا الطرح أو تفنيد ذاك، وهو ما يرفع بمستوى الحوار وينأى به عن السطحية، والأحكام الجاهزة والمُسبقة التي دوماً ما نُعبئ بها أنفسنا للإدلاء بها عند أول مناسبة. بخلاف ما يعتقده الكثيرون، فإن إقناع الآخر بما نراه وحثه على تبني أطروحاتنا لا يتأتى بالسخرية من النظريات المُتعارضة مع أفكارنا والعمل على تحقيرها، بل يتأسس على توظيف سلاح البراهين والمجادلة العلمية، حتى يُشيع المرء أفكاره ومواقفه بأبهى صورة وأنجعها. في تقديري الخاص، تعامل المجتمعات مع الاختلاف يرتبط على نحو وثيق بدرجة وعيها ومنسوب ازدهارها على المستوى العلمي والثقافي، فتلك الأمم "المُتقدمة" دوماً ما تبحث عن آليات وأدوات لاحتواء هذا المفهوم ومحاولة جعله عاملاً لا يُلقي بظلاله على العلاقات الإنسانية، أما بلدان "العالم الثالث" فلا تتناول هذا العنصر إلا من جانبه السلبي والقاتم. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.