جاء فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية صادماً لكل استطلاعات المؤسسات البحثية الأميركية، ومحبطاً لجميع توقعات المحللين والخبراء السياسيين والإعلاميين، سواء في أميركا أو في بقية دول العالم، ومزلزلاً لكل القواعد والأعراف السياسية والدبلوماسية، ومفجعاً لمشاعر الملايين في دول العالم وبخاصة في الدول العربية والإسلامية، كل هؤلاء راهنوا بل أيقنوا فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي تتمتع بخبرات سياسية ودولية واسعة لا يتمتع بها المرشح الجمهوري المنافس ترامب، لكن الناخبين الأميركيين قلبوا جميع التوقعات واختاروا بأغلبية واضحة 289 نقطة للمرشح الجمهوري، مقابل 218 نقطة للمرشحة الديمقراطية... ما الأسباب والعوامل التي جعلت الأميركيين يفضلون المرشح الجمهوري، المتهم في عفة لسانه وسلوكه، على المرشحة الديمقراطية العفيفة اللسان والسلوك؟! سيذكر الكتّاب والمحللون العديد من الأسباب والعوامل والتفسيرات التي رجحت كفة ترامب على كلينتون، لكن أبرزها، حسب ما أتصور، هو الإسلام الغاضب، وهو مصطلح صكه زعيم النهضة التونسي في وصف تنظيم "داعش" وأمثاله من التنظيمات الإرهابية، هذه التنظيمات العدوانية التي ابتليت بها المجتمعات العربية والإسلامية، بسلوكها الإجرامي المدمر للأنفس والأوطان، استطاعت اختراق الحواجز الأمنية للمجتمعات الغربية والأميركية، وغزوها في عقر دارها، ونجحت في نشر الفزع والترويع بين مواطنيها، وتهديد أمنها واستقرارها، وضرب مصالحها، وقد ساعد على نجاح هذه التنظيمات الإرهابية في استهدافها المجتمعات الغربية والأميركية، أن الاستحكامات الأمنية الغربية والأميركية، رخوة، بسبب تقيدها بمواثيق حقوق الإنسان، وبسبب الفلسفة العقابية الغربية التي تراعي حقوق الجاني أكثر من حقوق المجني عليه! هذا الضعف الكامن في الأنظمة الديمقراطية الغربية، في مواجهة تهديدات الإسلام الغاضب وأخطاره، استدعى رد فعل غاضب مماثل أو أشد من قبل هذه المجتمعات تجاه نخبها الليبرالية الحاكمة والعاجزة عن حمايتها، لتجد في التيار اليميني الشعبوي المخوف من الآخر، بغيتها وملاذها الذي يوفر لها الحماية والأمن. ظاهرة ترامب جزء من ظاهرة أكبر، هي ظاهرة تنامي التيار القومي المتعصب، المتوجس من الآخر الأقلوي أو المهاجر، والذي وجد في مناخ تزايد الخوف المجتمعي، والعجز الأمني، مجالاً واسعاً لاكتساب المزيد من الأنصار والمتعاطفين والمؤيدين، ترامب في أميركا، ولوبين في فرنسا، وأمثالهما في أوروبا، جزء من نخبة سياسية اجتماعية فكرية متصاعدة، استطاعت إقناع المواطنين في أوروبا وأميركا، بأنها الأقدر على قيادة مجتمعاتها والارتقاء بها، والأقدر على حمايتها أمنياً، بإجراءات أقوى وأنجع وأكثر ردعاً في مواجهة هذا الإسلام الغاضب، من الإجراءات الأمنية المتبعة! نجح رموز وقادة التوجهات القومية اليمينية، بخطابهم الشعبوي المؤثر عاطفياً، في كسب الرأي العام في دول أوروبا وأميركا، وما بريكسيت أو الانفصال البريطاني إلا أحد تجليات نجاح المد اليميني البريطاني المتوجس من الآخر المهاجر على هويته وثقافته واستعلائه، ونجاح ترامب في الوصول إلى سدة الرئاسة الأميركية بهذا الفارق الملحوظ، ما هو إلا تجلّ آخر لهذا المد اليميني المتصاعد والذي سيحكم أوروبا غداً، كردة فعل على عجز أنظمتها في التصدي لتحديات ما يسمى بالإسلام الغاضب! أخيراً: يبقى أن نتساءل كما تساءل كثيرون: هل يصح وصف ما يقوم به أتباع "داعش" و"القاعدة" و"بوكوحرام" والتنظيمات الإرهابية الأخرى بأنه منطلق من إسلام غاضب؟! لا أراه وصفاً صحيحاً، لا دينياً ولا منهجياً ولا واقعياً، أما دينياً: فأعمال هذه التنظيمات لا تمتّ إلى الإسلام ولا إلى أي دين بأي صلة، فكيف يوصف بأنه إسلام غاضب؟! أما منهجياً: فلأن من خرج غضباً لله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام لظلم وقع عليه أو لإصلاح يجاهد في سبيله، لا يستهدف الأبرياء الآمنين في أماكن تجمعاتهم ومرافقهم الحيوية، والنساء في مأمنهن، والأطفال والطلاب والطالبات في مدارسهم، وأما واقعياً: فلأن هؤلاء لم يتمردوا وينقلبوا على مجتمعاتهم، كردة فعل على غياب حريات مزعومة، أو عدالة اجتماعية مدّعاة، هؤلاء انطلقوا، ومنذ البدء، من منطلقات أيديولوجية معلنة، طلاب سلطة وحكم، يريدون إحياء الخلافة المندثرة، ويسعون إلى استعادة أوهام الماضي الذي صوروه مجيداً. * كاتب قطري